يسود الترقب والحذر بلدة عرسال. تداعيات المداهمات التي نفذها الجيش في مخيمي النور والقارية لم تنته بعد، لاسيما في ضوء إصرار عدد من عائلات الموقوفين والذين قضوا خلال التوقيف، على اجراء فحوصات شرعية تشرف عليها لجان حقوقية للتثبت من أسباب الوفاة.

ثمة من يعتبر أن بيان الجيش لم يكن مقنعاً، لذلك تم اللجوء إلى تكليف محامين لمتابعة هذا الموضوع. ومن بين هؤلاء المحامين، المحاية ديالا شحادة، التي حصلت على إذن قضائي، بالحصول على عينات من الجثث، وإجراء الفحوصات اللازمة لها، للتثبت من أساسب الوفاة.

وقد لاقى وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان، مواقف المطالبين بفتح تحقيق شفاف لمعرفة ملابسات الوفاة، وإذا ما تعرض الموقوفون للتعذيب، مع تقديره جهود الجيش في محاربة الإرهاب. ولكن ما حصل مع المحامية شحادة، قد فاقم الأمور، إذ تقول شحادة إنها تعرضت لضغوط كبيرة من قبل مخابرات الجيش في مستشفى أوتيل ديو لأجل تسليم العينات التي تم أخذها من الجثث قبل اجراء الفحوصات اللازمة لها. وهذا ما يعتبره البعض دليلاً على تعرض الموقوفين للتعذيب. تم تسليم العينات لمصلحة المخابرات، بناء على اتصال من المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، الذي أعتبر أن الجهة القضائية المخولة منح إذن للحصول على العينات هي مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.

وتقول شحادة لـ"المدن" إن أهالي المتوفين الثلاثة ينتظرون الحقيقة، وأبلغوني اليوم أنهم لا يريدون الجثث بل يريدون الحقيقة. واليوم القضاء العسكري سيحقق ونحن ننتظر التقرير. وإذا ما صدر قرار القضاء العسكري بأن هناك عنفاً تسبب في الوفاة، سنصمت ونوقف أي تحرك، وفي حال قال إن الوفاة طبيعية، سنعترض. ولكن هناك سؤالاً أساسياً من الذي يجرؤ على إصدار تقرير طبّي موضوعي، بعد التهديدات التي حصلت". وتلفت شحادة إلى أن ما حصل خطأ كبير بحق المؤسسة العسكرية، وهي التي تقدم تضحيات كبيرة وجبارة للحفاظ على الاستقرار، فلماذا ترتبك في التعاطي مع هذا الملف، وهي أكبر من أي تجاوزات فردية.

ويعتبر رئيس مؤسسة آفاز لحقوق الإنسان والمهتمة بشؤون اللاجئين وسام طريف، لـ"المدن"، أنه تم دفن الجثث بالتواصل مع رئيس بلدية عرسال، ومن حق الأهالي أن يطالبوا باجراء فحوص شرعية كما هو معترف به دولياً. وهذا لم يحصل. وأهالي المتوفّين أوكلوا الموضوع للمحامية شحادة، وقد تم إنجاز الاجراءات القضائية لاجراء معاينة الجثث، وأثناء نقل العيّنات، تدخّلت المخابرات وبدأت تضغط، وطلبت تسليم العينات إلى مركز مخابرات الجيش في أبلح، فرفضت شحادة الأمر. وبعد التواصل مع وزير العدل والمدعي العام التمييزي تم الإتفاق على تسليم العينات لمخابرات الجيش، على أن يتم إحالة العينات إلى مستشفى الياس الهراوي، لكننا علمنا أنها لم تُحل إلى المستشفى بل إلى مركز المخابرات في أبلح.

ويقول طريف: "نحن في موقف صعب، إما أن نكون في بلد تحتكم كل مؤسساته إلى القانون، أو لا. لبنان ليس دولة بوليسية. ومن المستغرب أن تقوم أي مؤسسة أو جهاز، بتحقيق عن نفسها، ومن المفترض أن يتم التحقيق لدى القضاء المدني، لأن من توفوا مدنيون وليسوا عسكريين، لأجل تبيان الوقائع". ويعتبر طريف أن الوضع السائد الآن، يفرض سؤالاً أساسياً إذا ما كان الجيش اللبناني ارتكب هذه الأفعال، أم لا. والمخول في ذلك يجب أن يكون جهة قضائية محايدة.

من جهته يعتبر رئيس مؤسسة لايف المحامي  نبيل الحلبي، أن شحادة تمثل جميع الحقوقيين العاملين على هذا الملف، وأهالي الضحايا، واستحصلت على قرار قضائي للسير بالتحقيقات ونقل العينات إلى مستشفى أوتيل ديو. ويقول الحلبي لـ"المدن" إن ما حصل "يؤكد أن التحقيق الذي تحدثت عنه السلطات اللبنانية غير جاد. وكان من المفترض أن يسلك الأمر مساره القضائي والاجرائي بعيداً عن الضغط". ويكشف الحلبي أن هناك تهديدات أمنية وضغطاً سياسياً على منظمات حقوق الإنسان. وهذا الأمر يفوق كل الفترات السابقة. ويعتبر أنه يجب انتظار القضاء، وما سيقرره بهذا الشأن. ويبدي تخوفه من تبديل العينات، لأن التدخل الذي حصل لم يكن قانونياً، ولا يمكن لمخابرات الجيش أن تكون طرفاً وحكماً. وما جرى هو سابقة خطيرة.

وفي سياق الإتهامات التي وجهت إلى رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري بأنه متواطئ مع الجيش في تسليم الجثث بدون اجراء الفحوص اللازمة لها، تلقى الحجيري صباح الجمعة في 7 تموز، رسالة تهديد. ويروي لـ"المدن" أنه تلقى شنطة فيها رصاص قابل للاستخدام، تم إرسالها له عبر شرطي بلدي. ويشير إلى أن استمرار توقيف عدد من السوريين لدى الجيش اللبناني، يوتر الأجواء، لاسيما مع وجود أشخاص يعملون على زيادة التوتير، عبر ضخ معلومات مغلوطة عن الموقوفين. فهناك من يشيع أن 30 موقوفاً قتلوا. وهذه معلومات يراد منها تفجير الوضع وافتعال الإشكالات بين اللاجئين السوريين وأهالي عرسال.

ويعتبر الحجيري أنه في البداية لم تُجر فحوصات شرعية، ولم يكن هناك أي جلبة بهذا الشأن، وفيما بعد بدأ الإشكال. ويقول: "تسلمنا أربع جثث، تم دفنها بدون اجراء فحوصات شرعية، وهناك أربع جثث أخرى موجودة في أحد مستشفيات زحلة، لم نتسلمها لأن الأهالي يريدون اجراء فحوصات شرعية لمعرفة أسباب الوفاة".

يضيف: "ما قمت به هو أنني استلمت الجثث بالطريقة القانونية. ولا نريد تحميل الموضوع أي أبعاد، ولا علاقة لعرسال بهذا الموضوع. نحن نريد الأمن والأمان. وقد استلمنا الجثث لأن أهالي المتوفّين لا يستطيعون الخروج من عرسال. لذلك، أرسلنا سيارة لنقل الجثث، وليس بإمكاننا منع الأهالي من دفن الجثث. ولم يكن بإمكاننا أن نمنعهم من تصوير الجثث. اقتصر دورنا على تسليم الجثث للأهالي. ولو رفضوا ذلك كنا امتنعنا عن نقلها. فليس باستطاعتنا التأثير على أي شخص".