يغيب عن البال احيانا  ان الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر  منذ أربع سنوات تماماً، لم يكن فقط طليعة الثورات المضادة على الربيع العربي، بقدر ما كان أيضاً نصراً صريحا للسعودية في صراعها التاريخي مع مصر على قيادة العالمين العربي والاسلامي، أسفر عن تحول الرياض في تلك الفترة الى مركز رئيسي لصنع القرار العربي، ولتوجيه السياسات العربية بعيداً عما تطلعت إليه الاجيال الجديدة من العرب التي كانت لا تزال تحلم بإصلاحات وتغييرات في دولها ومجتمعاتها المتعددة.

كان هذا النصر ، ربما، هو الاول من نوعه. وقد تجمعت فيه عوامل السياسة والاجتماع والدين، التي كانت تتسرب من بين أيدي القيادة السعودية، وتضعها في زاوية حرجة: من جهة كان هناك احساس بان الانغلاق السياسي الذي هزّته برفق نداءات الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش في اعقاب غزو افغانستان والعراق، يواجه لحظة الحقيقة. وكان الانسداد الاجتماعي الذي خرقته وسائل الاعلام والتواصل العصرية،  قد وصل الى مرحلة مشينة تتنافى مع أبسط معايير الحاضر وقيمه. وكان القلق الديني في ذروته. إخوان مصر يلوحون باسترداد المرجعية الدينية الى القاهرة، وتاليا إنتزاع أهم عناصر شرعية الحكم السعودي، وتركه في مهب رياح العزلة وما ينتج عنها من تطرف، يحفز الاسلاميين على التحرك.

كانت السعودية التي إنقلبت في تلك الفترة على التجربة الديموقراطية المصرية الوليدة تدافع عن نفسها وتدفع عنها  عاصفة التغيير لا سيما تلك المتجمعة في أوساط التيارات الاسلامية التي تابعت باهتمام وإعجاب تمكن إخوان مصر من الوصول الى السلطة، بغض النظر عما إذا تم ذلك بواسطة صناديق الاقتراع او بواسطة خطب المشايخ. المهم أن الحاكمية لم تعد حصيلة التوريث. والقداسة لم تعد من لزوميات السياسة وشروطها.

الاعتراف جاء متأخراً بأن الانقلاب العسكر ي المصري كان بمثابة منعطف حاسم استردت بموجبه الرياض قيادة المرحلة العربية، بل وحتى الاسلامية لولا وجود المنافس التركي، وشرعت القيادة السعودية في تنظيم التحالفات والشراكات مع المسؤولين والسياسيين العرب الذين يشبهون السيسي . وقد حققت في السنوات القليلة الماضية نجاحات لا يمكن إنكارها، وتحديداً في مجال الثورة المضادة، بفضل الظرف الدولي، وتحديداً الاميركي المؤاتي، ونتيجة عجز الاخوان المسلمين في مصر وخارجها عن تطوير خطاب يترجم تسليمهم بمدنية السلطة وتداولها وبتعدد المجتمعات العربية وتنوعها مكوناتها، الى خطاب مواجهة فعلية مع تنظيمات التشدد الاسلامي التي كانت ولا تزال تتمدد وتنتشر وتصادر الاسلام السياسي برمته.

لكن هذه النجاحات  السعودية سرعان ما  ثبت انها كانت واهية ولا تستند الى معطيات صلبة، بل الى تهور سياسي تجسد أولا في الخروج المتسرع الى حرب اليمن الجوية الاستعراضية من دون الاعتماد على حلفاء أو شركاء يمنيين على الارض يمكن ان يعدّلوا موازين القوى المختلة لمصلحة الخصوم من جماعة علي عبدالله صالح وحركة الحوثي.. ثم في الانخراط العشوائي في حربي سوريا والعراق، تحت شعار نقل المعركة الى الداخل الايراني، وإفتعال المواجهة مع الجار التركي، فكانت النتيجة خسائر وأضرار لحقت بالسعودية أكبر وربما أبعد أثرا من خسائر حرب اليمن.

في أي استعادة موضوعية لتلك التجربة السعودية، يمكن الاستنتاج ان الرياض فقدت وبسرعة قياسية الكثير من النفوذ والحضور الذي أتاحه الانقلاب العسكري المصري قبل أربع سنوات، حتى باتت التحديات تلاحقها في الداخل السعودي، حيث الاقتصاد يترنح، والامن يضطرب، والاسلاميون يقتربون من الحرم.. والفريق الحاكم يتمسك بسياسة الهرب الى الامام.

الاشتباك السعودي الراهن مع قطر يندرج في هذا السياق، ولن تكون نتيجته مختلفة، عن مغامرات بدأت في الثالث من يوليو تموز العام 2013..وما زالت تحصد الإخفاقات حتى اليوم، وتزيد المخاطر ، خصوصا وأنها ليست على وشك التوقف والتعقل. ففي الافق السعودي ثمة حرب مع إيران ، وإشتباك مع تركيا، وإضطراب خليجي داخلي لم يسبق له مثيل.