إذا كان رب البيت بالطبل ضارب فما شيمة أهل البيت إلا الرقص وإذا كان الحاكم في اهوائه منهمك فما للرعية غير الويل والثبور وعظائم الأمور وإذا كان أركان السلطة في بلدي في بحور الفساد غارقون فما للشعب غير المعاناة والمأساة والبؤس والشقاء، وإذا كان رجال الدين على أبواب السلاطين يستجدون وعن القيام بواجباتهم لاهون وعن نصرة الحق يتعامون وعن الدفاع عن المظلوم يتلكأون فما للأمة وللعامة من الناس غير الإنزلاق نحو الإنحراف والسير في طريق الرذيلة والإنغلاق داخل سياج الجهل والتخلف بأفكار جامدة وعقول متحجرة. 

إقرأ أيضًا: خطيئة الحاج الثمانيني
فلم يعد القانون في بلدي مادة لبناء الوطن ولتطوير المجتمع ولخدمة المواطن بل إستخدمه الحاكم كسلاح يشهره بوجه الشعب لأرهابه وقمعه وترويعه، وتحول القانون إلى أداة طيعة بيد المتسلطون على رقاب البلاد والعباد لإستغلال الناس ونهب المال العام والعبث بمستقبل الأجيال الناشئة وطمس أحلامهم و آمالهم، وسرقة لقمة العيش وتعب الفقير لجمع ثروات خيالية من الذهب والفضة يكنزونها في غفلة من الزمن وإنهماك المواطن بالبحث عن الحدود الدنيا للكرامة والأمان والإطمئنان. 
وكذلك فإن الدين لم يعد نظام يرسم حدود العلاقة بين المخلوق وخالقه، وبين الإنسان ومجتمعه وبين المرء وذاته بل استغله منتحلي صفة رجال الدين وحولوه إلى سلعة للمتاجرة به لفرض هيمنتهم على المجتمعات اللبنانية والترويج لأفكارهم وأرائهم وإلغاء أي إمكانية للتواصل بين الناس، إذ أنهم يحيطون كلامهم بهالة من القداسة النابع من محراب الورع والتقوى، وأي اعتراض عليه يصبح ضرب من ضروب التعدي على الذات الإلهية ونوع من التدنيس لآيات لا تنطق بالهوى، بل هي وحي يوحى، وأي نقاش فيه يستوجب العزل والتكفير والمحاربة والسجن والإعتقال، وربما يصل إلى مرحلة إستباحة الدم والتصفية الجسدية والقتل بنية التقرب إلى الله وصولًا إلى الفردوس الأعلى. 
ومن نافلة القول ضياع الدولة بين براثن المصالح الخاصة الضيقة وفي زواريب الخلافات المذهبية والطائفية وتمزيقها بمخالب الأحقاد الدفينة والموروثة، والحديث عن دولة جامعة وقوية ودولة القانون والمؤسسات والدولة التي تحفظ حق المواطن وتحميه وتؤمن له الإستقرار والأمان أصبح من الترف الكلامي والتندر الفكاهي. 
فالدولة تشطرت إلى دويلات، فلكل حزب وتنظيم سياسي دولة خاصة به يمارس سطوته على المجتمع بقوته الذاتية التي فرضها كأمر واقع يحكم بما تقتضيه مصالحه ومشاريعه، وتحول البلد إلى مزارع تحكمها ميليشيات مذهبية بعناوين سياسية وحزبية وأصبح الناس كالقطعان تساق إلى المسالخ للذبح. 

إقرأ أيضًا: داعش في الطريق إلى الزوال
فالدولة بكافة مؤسساتها وأجهزتها وإدارتها وسلطاتها تاكلت حتى لم يبق منها سوى هياكل مهددة بالانهيار في أي لحظة ومرافق البلد ومقدراته أصبحت غنائم لكافة الأطراف التي تسلقت إلى مواقع السلطة وفرضت رؤيتها على الوطن والمواطن وتحكمت بالمصير بفائض القوة الذي تمتلكه أمنيًا وعسكريًا وبشريًا. 
فلكل مكون سياسي أو حزبي أو ميليشياوي دولته الخاصة التي فصلها على مقاسه، وتبعًا للقوة المسلحة التي يمتلكها لدرجة أن حزب الله يلوح بالاستعانة بحلفاء له لإستقدامهم من العراق وإيران وأفغانستان واليمن للإستقواء بهم على أعدائه في الخارج وحتى ربما في الداخل. 
فقط الشعب اللبناني بقي بلا دولة ترعاه وبات يعيش تائها بين رجل سياسي يستقوي بالقانون لإستغلاله ورجل دين يحتكر الدين للمتاجرة به.