هي قصة "إبريق الزيت"، لكن في حالتنا هذه صار الزيت دماً. و"الحبل لا يزال عالجرار" بدل أن يلتف على أعناق المقصرين. هي ظاهرة السلاح أو "ثقافة" السلاح أو حتى أكثر إن شئنا "عدوى" السلاح المتفلّت، الذي يختال في أيدي الصغار والكبار، ويسرح ويمرح في البيوت والسيارات وعلى خصور "القبضايات". الموت شبع عداً وجثثاً، فيما نحن مستمرون في إحصاء قتيل كل يوم، غير منتظرين خلاصاً من دولة متفرجة انتهت صلاحيتها وفقدت هيبتها. 

هذه المرة ضحية جديدة اسقطها سلاح شرعي مرخص له. طلقة نارية انطلقت من طريق الخطأ أثناء لهو الشاب علي دندش في منطقة الغازية، فأردته امام والدته. القصة بدأت مع علي بعد عودته من عند الطبيب الى منزله برفقة والدته ومرافق والده العميد، ليترجل علي من السيارة ويخبر والدته بأنه جائع، فطلبت منه الانتظار لحظات الى حين احضار مفاتيح السيارة الأخرى لتجلب له هي بنفسها الطعام. وفي هذه اللحظات بحسب اقرباء الفقيد وجيرانه، صودف وجود رفقيه دانيال خ. فسأله علي عن بندقيته وما إذا ما كانت بحوزته ام لا، بهدف اللعب بها امام اعين والدته، حينها صرخت والدته "يا علي بلا لعب بالسلاح"، لتكون تلك آخر الكلامات التي سمعها الفقيد، وتنطلق رصاصة من طريق الخطأ فتردي الشاب العشريني.

تعدد الروايات

الروايات التي تعددت حول وفاة علي، بدأت من فرضية الانتحار، لأنه يعاني بعض الامراض العصبية، إلا انه بحسب اقربائه كان يعالج في بيروت ووضعه كان طبيعياً، لكن اللعب بالسلاح سبب الوفاة، بينما تحدثت رواية اخرى عن اقدام صديقه على قتله، وهو ما رفضته العائلة لكون والدته كانت شاهدة على وفاة ابنها البكر، كذلك مرافق والدهوالذي اكد الرواية نفسها للأجهزة الأمنية.

وأكدت مصادر العائلة أن والده العميد رفض تحميل المسؤولية لرفيق ابنه، لأن علي هو من طلب السلاح وهو من أطلق النار على نفسه عن طريق الخطأ، وقد افرج عن دانيال بطلب من الوالد، وسيشارك غداً في ذكرى مرور اسبوع على وفاة صديقه.

ورفضت العائلة ما اشيع عن ان علي يعاني اضطربات نفسيه دفعته الى الانتحار، او انه غير متزن عقلياً كما اشيع، فهو سبق ان كان احد طلاب الكلية الحربية قبل ان يقرر تركها والالتحاق بإحدى المنظمات التابعة لقوات حفظ السلام في لبنان (اليونيفيل)".

قصة علي قد تختلف عن بقية القصص التي شهدتها الاراضي اللبناني في الفترة الأخيرة من اطلاق نار كان آخرها مقتل ح. جمال الدين في بعلبك برصاصة طائشة اثناء صدور نتائج البروفيه، وقبلها بأيام مقتل الفتاة نور نون في بعلبك ايضاً، فعلي قتل نتيجة ثقافة السلاح المنتشر وان كان مرخصاً، فما داعي لحمل سلاح "بومب اكشن" في السيارة؟ وما السبب الذي دفع بدانيال الى أن يلقم سلاحه ويكون جاهزا لإطلاق النار في اي لحظة، فسقط علي قتيلاً دون سبب، ليطرح السؤال المتكرر مع كل جريمة "وين هي الدولة" من السلاح المنتشر على كل الاراضي اللبنانية بلا حسيب او رقيب؟ وهل رخصة السلاح تعطي الصلاحية بنقل البندقية الحربية في السيارة من منطلق "انا مسلح ومعي رخصة".