تؤكّد مجملُ المعلومات المتقاطعة، والتي بينها معلومات مفتوحة من وسائل الإعلام الإسرائيلية، أنّ الجيش الإسرائيلي سيباشر خلال فترة قريبة استكمالَ بناء الجدار الإسمنتي على طول حدود لبنان مع فلسطين المحتلة
 

القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي تُطلِق على هذا الجدار تسمية «ساعة الرمل». وداخل مفهوم العقيدة العسكرية الإسرائيلية فإنّ مصطلح «ساعة الرمل» له معنى يشير إلى «ثقل الزمن».

وكانت لجنة فينوغراد التي وضَعت تقريراً فنَّدت فيه أخطاءَ إسرائيل في حرب الـ 2006 أشارت في الجزء المخصّص للاستعدادات الإسرائيلية تجاه الجبهة الشمالية بأنّها تقوم على «مبدأ التخفيف»، أي تجنّب التصعيد في ميدانها، بسبب عدم توافرِ اليقين بخوض حرب رابحة فيه.

وعليه، يُصبح بناء الجدار مع لبنان تحت مسمّى «ساعة الرمل»، نوعاً من تطبيق «مبدأ التخفيف»، وهو ترجمةٌ عسكرية لقرار إسرائيلي بالتكيّف مع فترة طويلة وثقيلة زمنياً عليها، لأنّها في خلالها ستُسلم تل ابيب بأنّ عليها التعايش مع خطر «حزب الله»، وتخفيف التصعيد معه والاكتفاء بالإقامة وراء جدار «ساعة الرمل» التي تعني الانتظار الاستراتيجي الثقيل لحين تغيّرِ ميزان القوى بشكل حاسم لصالحها معه.

ماذا في تطوّرات هذا الموضوع كما يتفاعل في الظلّ والكواليس المعنية بمتابعته سياسياً وعسكرياً وقانونياً؟

يُميّز سياق المعلومات الخاص بملف جدار «ساعة الرمل»، بين مسعى إسرائيل إلى البدء بإنشاء هذا الاخير، وبين ما قامت وتقوم به فعلياً في مزراع شبعا اللبنانية المحتلة. فمنذ عامين وحتى الآن، تقوم إسرائيل في مزارع شبعا المحتلة بتنفيذ مشاريع شقّ طرقات، تُعتبر مخالفة للقانون الدولي الذي يحظّر على أيّ دولة محتلة «فرض أمرٍ واقع في منطقة تحتلّها».

ففي العام 2015 شقّت إسرائيل طريقاً بطول 1800 متر يمتدّ من رويسة العلم حتى منطقة السدّانة في المزارع، وعمدت إلى وضع خمسة شرائط شائكة متلاصقة فوق هذا الطريق. ثمّ عادت خلال العام الفائت وشقّت طريقاً بطول 1200 متر يمتدّ من منطقة الشحل حتى السدّانة. واليوم، تؤكّد معلومات لـ«الجمهورية» أنّ فرَق هندسة عسكرية إسرائيلية تشقّ طريقاً بين منطقتَي الشحل والرادار.

أمّا موضوع إنشاء جدار «ساعة الرمل»، والمعتبَر الأخطر من قبَل جهات معنية بمتابعة هذا الملف، فتُفيد معلومات متقاطعة خاصة وإعلامية، بأنّ إسرائيل ستباشر بوضع بلوكات إسمنتية يتراوح ارتفاعها بين 5 أمتار في مناطق معيّنة و7 أمتار في مناطق أخرى، وذلك على طول خط الحدود الفلسطينية مع لبنان، أي من الناقورة حتّى مثلّث الحدود السورية - اللبنانية - الفلسطينية المحتلة في منطقة الوزاني، ما يعني أنّ طول الخط الذي سينشأ عليه جدار «ساعة الرمل» سيبلغ 92 كلم.

وسيثير هذا العمل أو يفترض أن يثير، بحسب توقّعات المتابعين لهذا الملف، قضية خلافية بين لبنان وإسرائيل، والسبب أنّ قاعدة البلوكات الإسمنتية التي يتشكّل منها الجدار والتي ستنصبها إسرائيل على خط الحدود تبلغ مساحتها 160 سنتمتراً، سيتمّ نصبُ نصفِها (أي ثمانين سنتم) في الأراضي اللبنانية، والثمانين سنتم الباقية في الأراضي المحتلة.

هناك سابقة بهذا الخصوص حدَثت عندما نصَبت إسرائيل قبل أعوام عدة قواعد بلوكات إسمنتية مشابهة لبناء جدار عند بلدة كفركلا قبالة بوّابة فاطمة، آنذاك احتجّ لبنان، لأنّ هذه القواعد رُكّزت على نحو كان نصفُ مساحتها داخل الأراضي اللبنانية ونِصفها الآخر داخل الأراضي المحتلّة.

صحيح أنّ القضية تتّصل بسنتمترات قليلة، ولكنّ المبدأ هو أنّها تشكّل سابقة في السماح لتل أبيب بالتعدّي على سيادة لبنان في أرضه، خصوصاً أنّ هناك خلافاً بين وجهتَي نظر الطرفين حول موقع خط الحدود الدولي المعترَف به بينهما، وأيضاً حول موقع الخط الأزرق والتقني اللذين رُسما بوصفهما خط «وقف الأعمال العدائية» بعد حرب تمّوز عام 2006.

فمثلاً تَعتبر إسرائيل أنّ الخط الأزرق يمرّ عند منتصف الطريق في بلدة كفركلا، وبناءً على ذلك، كانت قد رفضَت قيامَ بلدية كفركلا بإنشاء حديقة تحت مبرّر أنّها ستقام في منطقة مرور الخط الأزرق.

وظلّت هذه المسألة عالقة، لغاية أن أبلغَت إسرائيل في وقتٍ لاحق وبمناسبة أخرى، «اليونيفيل» بأنّها ترغَب في تصريف مياه متجمّعة في أراضيها في اتّجاه عبّارة كفركلا القائمة في الأراضي اللبنانية.

وحينها رَفض لبنان الطلب، وعُقد اجتماع بين قائد قوات «اليونيفيل» حينها كلاوديو غرازيانو ومدير مخابرات الجنوب في الجيش اللبناني العميد علي شحرور الذي أصَرَّ على عدم استقبال مياه إسرائيلية ورفضَ القبول بأيّ تغيير مهما كان صغيراً للأمر الواقع على الحدود، والتساهلَ مع أيّ تصرّف يمسّ بحالة الحرب القائمة مع إسرائيل.

ثمّ بعد تطوّر الاتصالات وضَع العميد شحرور الذي كان يُعبّر عن موقف الدولة اللبنانية، شرطاً لقبول لبنان بتصريف المياه الإسرائيلية وهو أن تقبل تل أبيب في المقابل بإنشاء حديقة كفركلا، وأن يتمّ نقل المياه الواصلة من إسرائيل عبر مساعدة «اليونيفيل» إلى منطقة الخرخار في سهل الخيام، ومن هناك تتمّ إعادتها إلى «الأراضي الإسرائيلية».

والواقع أنّ سوابق التشدّد تجاه رفضِ أن تقتطع قواعد بلوكات الإسمنت الإسرائيلية ستنتمرات عديدة من الاراضي اللبنانية، تؤشّر إلى أنّ مسار بناء إسرائيل لجدار «ساعة الرمل» على مسافة 92 كلم سيواكبه توتّر نتيجة حِرص لبنان على ألّا يتجاوز الجدار خطّ الحدود الدولي كما يراه لبنان، وهو بطبيعة الحال غير الذي تعترف به إسرائيل.