لفتني خبرٌ منذ فترة ليست بعيدة، مفاده أنَّ "معهد المعارف الحكمية" دعَا إلى ندوة مستعجلة بالتعاون مع جمعية "إحيوا أمرنا" بغية تطوير مهنة الإنشاد واللطم لتحسين صورة المشهد العزائي للمجالس السَّنيَّة، بعد أن أخفقت كلٌّ من المدرسة القُميَّة، والمدرسة النجفيَّة، من تطوير أدوات اللطم والإنشاد، لذا تطوَّع مشكوراً هذا المعهد وتلك الجمعية بإدخال نمط آخر على الطريقة البحرانية التي جمعت بين المدرستين بإدخال الموسيقى وطورٍ يُحسِّن في لطمٍ وبكاءٍ حزينين، فهي مدرسة ثالثة صاعدة ومتجددة على حساب تلك المدرستين التقليديتين في العراق وإيران..

إقرأ أيضًا: كبير العسس بين السنة والشيعة..

دفعني هذا الخبر إلى شيء قد يستبطن الإساءة إلى مناسبة تاريخية كبيرة تحتاج للتجديد في قراءة أسبابها ونتائجها،لإلتماس البركة الحسينية من موقع قيامها على الظلم لا على الإنشاد واللطم على الصدور وضرب الرؤوس بالفؤوس.. لربما هنا قد تختفي الحقيقة وراء سيلٍ من العواطف،لأنَّ مدرسة "الحسين"(ع) بُنِيَت على دعائم من الفلسفة الرشيدة، والأسس المنطقية والعقلية التي إستلهمها من الإسلام والقرآن، فقدت بالبكاء واللطم والنحيب محتواها ومضمونها وفهم أبعادها، فيا ترى لو أنَّ كل متحمِّس لمدرسة علمية أبدعت في التطوُّر والإبداع العلمي والتجديدي والإنتاجي، فهل كان بإستطاعته أن يقف مع المدارس العلمية ويؤيدها بالبكاء والنحيب واللطم؟ فلو كانت البشرية تسلك هذا المسلك في وقوعها مع المدارس العلمية التي كان لها تأثير في حياة الإنسان وفي مجراها، فتؤيدها بالبكاء والضرب واللطم على الصدور والأكتاف، وتقف ضدها فقط بهذه الطريقة، فعندها يقف الإنسان من دون أن يتحرك قيد أنملة إلى الإمام.. بالتأكيد أن البكاء واللطم على مصيبة الحسين (ع) بالطريقة التي تعبِّر عن هذه المظلومية بحد ذاتها مطلوبة بالقدر الذي لا تستغل من قبل الإسلام السياسي والطبقة الحاكمة! وتضييع الغاية التي ضحَّى من أجلها الحسين وأهل بيته(ع)..

إقرأ أيضًا: حضرة ولي الفقيه : أفدنا أفادك الله...

من هنا ندعو وبكل حرصٍ وحبٍ إلى تغيير هذا المنهج التي سارت عليه الشيعة قروناً وقروناً في إحياء هذه الشعائر،وندعو كل المسلمين إلى إقامة هذه المناسبة على أساس من العقلانية والعلم بدلاً من حصرها بالإنفعال العاطفي،وبدلاً من أن نجعل الحسين(ع) شيعياً فهو لكل المسلمين والأحرار في العالم، فبدلاً من ذلك الحماس وفي أغلب الأحايين يكون الحماس عنيفاً، يكون حماساً للمعرفة والعلم، وبالتالي حماساً لكل مظلوم أن لا ينام على ضيمه وعدم التسليم للظالم والمستبد ولو أدَّى ذلك إلى الشهادة ولو كان الشهيد هو مولانا وإمامنا الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، بهذا يمكن أن نبني أنفسنا في هذه المناسبة بدلاً من هدمها، ونكون قد وفيِّنا جزءاً من حق الحسين(ع) في ساحة النضال والجهاد والعطاء........