لم ينته بعد عزاء الموقوف عدنان ذبيان، الستيني الذي مات الأسبوع الماضي في نظارة مكتب مكافحة المخدرات المركزي، بسبب الظروف اللاإنسانية التي يُكدّس فيها عشرات الموقوفين. وفيما لم يُبرِّر القضاء أو المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الاستهانة بأرواح الموقوفين، ولم تسجل أي محاولة لمنع تكرار ما حدث، جاء توقيف الفنانة السورية أصالة نصري ليعرّي استنسابية القضاء وتواطؤ القوى الأمنية، وتمييزهما بين موقوفٍ من «عامة الشعب»، وآخر من فئة «خمس نجوم».

استنسابية تؤكدها حياة الرفاهية التي يحظى بها «أمير الكبتاغون» الموقوف عبد المحسن بن وليد آل سعود، كما تؤكدها «خدمة V.I.P» التي حظيت بها نصري، والتي لم يكن ينقص إلا أن يُفتح صالون الشرف لها، رغم حيازتها مخدرات وثبوت تعاطيها لها!
بالعودة إلى الوقائع، فقد ضُبط، بالجرم المشهود، في حوزة الفنانة السورية ثلاثة غرامات كوكايين، مخبأة داخل علبة ماكياج. أنكرت نصري بداية أن تكون المخدرات عائدة لها، وزعمت أنّ أحداً ما دسّ المادة المخدرة في حقيبتها، قبل أن يُثبت الفحص المخبري تعاطيها الكوكايين. لكن اللافت أن الفنانة لم تُسق إلى مخفر حبيش لاستجوابها أو لإخضاعها للفحص. بدلاً من ذلك، استنفر القضاء والأمن في يوم عيد الفطر مساء الأحد، لتوفير خدمة «درجة أولى» لأصالة نصري كي لا تبقى موقوفة حتى انتهاء العطلة، كما يحصل مع أي موقوف بهذه التهمة.

في حالات مشابهة، يصدر النائب العام
إشارة بإيداعه
المحضر وبالتوسع
في التحقيق

لذلك، كُلّف ضابط برتبة ملازم أول الانتقال على رأس دورية أمنية إلى فصيلة التفتيشات في المطار لأخذ عيّنة من بول أصالة، فجاءت النتيجة إيجابية لجهة تعاطي الكوكايين. ورغم أن الأسباب الموجبة للتوقيف الاحتياطي قائمة، بحسب قانون أصول المحاكمات الجزائية، لكونه يخشى من فرارها وعدم حضورها المحاكمة، تُركت الفنّانة بسند إقامة بعد أقل من ثلاث ساعات. لم تُسأل عن مصدر المخدرات، وطُمِست جناية الترويج على هامش الجنحة المرتكبة.
قد يقول قائل إن القضاء بات أخيراً يتساهل مع متعاطي المخدرات إن لم يكن الجرم مُكرّراً، وإن حادثة توقيف نصري تدخل في هذا السياق. لكن في حالات مشابهة، بعد الانتهاء من التحقيق، وبسبب وجود مادة مخدرة، يصدر النائب العام إشارة بإيداعه المحضر بواسطة مكتب مكافحة المخدرات بعد التوسع في التحقيق. فهل توسع ضباط مكتب مكافحة المخدرات وعناصره في التحقيق؟ وهل نُظم محضر تحقيق بعد إجراء الفحص المخبري لأصالة، ولا سيما أن النتيجة جاءت إيجابية لجهة تعاطيها المخدرات؟ أكثر من ذلك، في حال ختم المحضر وإيداعه النيابه العامه للادعاء، سواء أمام القاضي المنفرد الجزائي أو بموجب ورقة طلب أمام قاضي التحقيق، ما هي الضمانات التي تكفل حضور أصالة جلسات المحاكمة؟ ومن هو مصدر المخدرات التي ضبطت بحوزتها، وهل استدعي هذا الشخص للتحقيق معه؟ علماً أنه إذا صدف أن ورد اسم مدمن في استجواب أو اتصل شخص بالخطأ على رقم هاتف يعود لتاجر مخدرات، فإن المشتبه فيه «يُسحب» ويُشار فوراً بتوقيفه ريثما ينتهي التحقيق. أما في حالة نصري، فقد تُرِك هاتفها في حوزتها، ولم يُصر إلى العبث فيه بالطريقة ذاتها التي كان سيُعامَل بها «موقوف عادي». لم تُسأل عن كل رقم موجود على هاتفها، ولم يُطلب جدول باتصالاتها لمحاولة تحديد مصدر المخدرات. بقيت «الفنانة» محترمة، وخرج الفريق السياسي الذي تواليه ليتهم خصومها بتدبير عملية توقيفها. هذه المرة، سمع اللبنانيون بالقضية، بسبب شهرة نصري، وبسبب تعمّد «أحد ما» نشر خبر توقيفها. لكن حالتها تشبه عشرات الحالات: أبناء عائلات حاكمة في الخليج، فنانون لبنانيون وعرب، رجال أعمال... جميعهم يوقفون متلبسين، فيُخلى سبيلهم بسند إقامة... في البلاد التي يتوجهون إليها، وتُختم ملفاتهم بلا «بهدلة»!