كان سهلا على إيران أن تصطف مباشرة إلى جانب قطر منذ أن أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر مقاطعتها للدوحة، وهو موقف متوقع من طهران، لكن الأمر لم يكن بذات السهولة بالنسبة إلى تركيا، التي فشلت في تحقيق توازن بين سعيها لتكون وسيطا في الأزمة وبالتالي الحفاظ على علاقتها مع الرياض من جهة، ودعم حليفتها الدوحة من جهة أخرى، لكن خشية أنقرة من أن تؤدي الأزمة إلى فتح ملفاتها هي أيضا وتكون التالية على قائمة العقوبات دفعتها إلى التخلي عن الحذر والنزول بكل ثقلها إلى الميدان القطري ضمن خطوة ستجعل الكتلة السنية بقيادة السعودية تعيد تقييم علاقتها المضطربة مع تركيا التي تتضاعف عزلتها يوما بعد يوم
 

نقل عن مصادر دبلوماسية غربية عاملة في العاصمة السعودية أن المواقف الصادرة عن تركيا وإيران حيال الأزمة الخليجية ضد قطر تهدف إلى وضع العراقيل أمام أي تسوية تعود بالخير على سكينة دول مجلس التعاون الخليجي واستقرارها.

وتضيف هذه المصادر أن كافة عواصم العالم، شرقا وغربا، إسلامية وغير إسلامية، دعت إلى اجتراح حلّ بيتيّ خليجي يولد وفق التقاليد السياسية الخليجية. وأكدت جميعها على حيادها في هذا النزاع قناعة منها بأن أي انحياز لهذا الطرف أو ذاك داخل “خلاف عائلي”، وفق التوصيف الأميركي، لن يساهم في توفير أي تقدم للخروج من الأزمة، ناهيك عن أنه يصب الزيت على نار هذا الخلاف.

وقال أردوغان الأحد، “نقر ونثمن الموقف القطري ضد قائمة المطالب (…) أسلوب المطالب الثلاثة عشر هذا يتعارض مع القانون الدولي لأنه لا يحق لك الهجوم أو التدخل في سيادة أي دولة”.

وترصد هذه المصادر الغربية أن الموقف التركي الذي عبر عنه الرئيس رجب طيب أردوغان لا يهدف إلى الدفاع عن الموقف القطري، فذلك ليس داخل أجندة الرجل الطامح إلى رئاسة فوق العادة في بلاده، بل يهدف إلى الدفاع عن مصالح بلاده الإقليمية كما الدفاع عن نظامه السياسي الإسلاموي الهوى، والذي لا شك أن مادة الخلاف الخليجي مع قطر تدق باب أنقرة وخياراتها السياسية بقوة.

وتؤكد هذه المصادر أنه إذا ما كان الموقف الإيراني انتهازيا يعمل على استغلال رخيص لخلاف داخل البيت الواحد ولن يسبب إلا تقزز الخليجيين أيا كانت انتماءاتهم، فإن خطورة الموقف التركي تكمن في كونه أثار دون أي سوابق في هذا النزاع مسألة التلويح بالخيار العسكري، على نحو يراد منه دفع مستويات التنافر إلى درجات لم تخطر يوما على بال الخليجيين أنفسهم.

ودافعت الخارجية التركية عن التعاون العسكري مع قطر وذلك في أعقاب مطالبة السعودية والدول المقاطعة لقطر بإنهاء هذا التعاون. وقالت الخارجية التركية، في بيانها الصادر الأحد، إن “أنشطتنا ليست موجهة ضد دولة بعينها”، مشيرة إلى أن الهدف من نشر قوات تركية يتمثل في دعم قطر في التدريب العسكري والإسهام بدور في الأمن في المنطقة.

الموقف التركي لا يهدف إلى مد حبل النجاة إلى قطر بل هدفه إغراق الدوحة في أوهام الاستقواء بأطراف خارجية

قاعدة تركية في قطر

رأى مراقبون في الرياض أنه لم يسبق أن صدر عن أي من عواصم دول مجلس التعاون الخليجي أي ملاحظة سلبية بشأن الاتفاق التركي القطري لإقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر على الرغم من أن هذه العواصم نظرت بعين الريبة إلى هذا الاختراق العسكري التركي للمنطقة بعد عقود على زوال التواجد العثماني. وأضاف هؤلاء أن تواجد قواعد عسكرية أجنبية داخل دول المنطقة يجري وفق احترام لروحية أمنية عامة تحظى بإجماع تام، وهو أمر لا تحظى به القاعدة العسكرية التركية في قطر.

ولفت مراقبون في الإمارات إلى أن تركيا هي التي أيقظت هواجس الخليجيين من خطورة هذه القاعدة على انسجام دول الخليج، وهي التي أرسلت إشارات عدائية مفادها أن التواجد العسكري التركي في المنطقة هدفه العبث بوحدة مجلس التعاون لصالح اصطفافات تخضع لاستقطاب خارج حدود المجلس. ويقول هؤلاء إن البرلمان التركي صوّت في 7 يونيو بسرعة قياسية على قانون لإرسال جنود أتراك إلى قطر بعد يومين على قطع السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر، ما أدخل بعدا عسكريا على الصراع لم يكن مطروحا.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الاثنين، إن المطالبة بإغلاق القاعدة التركية في قطر تعد قبل كل شيء انتهاكا لسيادة دولة أخرى (قطر) وللقانون الدولي، كما أنها إهانة لسيادة دولتين (قطر وتركيا). وأضاف أن الاتفاقية (الخاصة بالتعاون العسكري) مبرمة بين تركيا وقطر، ويجب على بقية الأطراف احترامها، لأن هاتين الدولتين تتمتعان بالسيادة ويمكنهما الجلوس والتفاهم حول القضايا المختلفة.

وشدّد الوزير على أن تركيا “تتقرب من منطلق الأخوة وتقترح التعاون لحل المشاكل، وتعتبر الدول الخليجية شقيقات لها، وستواصل موقفها هذا لحل الأزمة العالقة التي لا يمكن أن تعود بالفائدة على أي أحد”.

وتؤكد مراجع متابعة في الكويت أن التحرك العسكري التركي قد عقّد الوساطة التي يقوم بها أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر آل صباح، كما حرم أنقرة من إمكانية أن تعلب دورا زعمت أنها تسعى إليه لإصلاح ذات البين بين أطراف النزاع. وتضيف هذه المراجع أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو فشل في إحداث أي اختراق في هذا الملف حين زار الكويت والسعودية، وفاقم من سوء الموقف التركي حين حاول تبرير وجود القاعدة العسكرية التركية في قطر من خلال عرض إقامة قاعدة لبلاده في السعودية.

ويرى خبراء خليجيون في البحرين أن الموقف التركي لا يهدف إلى مد حبل النجاة إلى قطر بل هدفه إغراق الدوحة في أوهام الاستقواء بأطراف خارجية، وبالتالي إغراق أي مساع حقيقية للتوصل إلى حل للنزاع في منطقة الخليج.

ويضيف هؤلاء أن وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قصد تركيا في بداية انفجار الأزمة احتراما لعلاقات المنامة ودول الخليج مع أنقرة. ورغم أن التصريحات الرسمية التركية التي صدرت عن الزيارة نصحت بحل من خلال الحوار، إلا أنه كان واضحا أن تركيا تودّ انتهاج خيارات يعادي دول الخليج ويقوض أي تسوية يعمل عليها أمير الكويت.


الإسلامويون قلقون

اتهم وزير خارجية البحرين قطر بالسعي إلى “تصعيد عسكري” عبر دعوتها قوات أجنبية، في إشارة إلى تركيا.

إيران ليست لها أي مصلحة في التوصل إلى أي حل خصوصا إذا ما أعاد إدخال قطر داخل انسجام خليجي واحد
وكتب الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة على حسابه في تويتر أن “أساس النزاع مع قطر دبلوماسي وأمني وليس عسكريا. إن جلب الجيوش الأجنبية ومدرعاتها هو بمثابة تصعيد عسكري”.

وتعتبر مصادر تركية مطلعة أن أردوغان يعتبر أن تركيا ستكون مستهدفة بعد قطر وأن سعيه لتسعير الملف القطري يراد منه إبعاد الكأس المرة عن نظامه السياسي عبر إشغال العالم بالحالة القطرية وحرف الأنظار عن نفس الحالة التركية.

وتقول هذه المصادر إن تركيا، كما قطر، تساند الإسلام السياسي، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الجهادية في العالم، وإن التقارير الأمنية الدولية تتحدث عن دور تركيا في دعم تنظيمي القاعدة وداعش وعن استخدام جماعات الجهاد في سوريا والعراق كأدوات لسياستها الخارجية، وبالتالي فإن المزاج الدولي الإقليمي الجديد ضد التيارات الإسلاموية في العالم لا شك أنه، حسب رؤية أنقرة، سيطال تركيا بعد أو بمواكبة الأزمة القطرية.

غير أن باحثين في شؤون الإسلام السياسي يرون أن الموقف من الإسلاموية القطرية أثار قلق الدولتين الداعمتين والمنتجتين لهذه الإسلاموية في العالم، تركيا وإيران.

ويلفت هؤلاء إلى مسارعة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة تركيا عقب انفجار الأزمة مع قطر، بما يعكس شعور البلدين بوحدة حال مستهدفة بصفتهما يمثلان الأصوليات الإسلامية المتوفرة حاليا بنسختيها السنية والشيعية.

ويرى هؤلاء الباحثون أن استنفار أنقرة وطهران للدفاع عن موقف قطر كشف عن موقع قطر الحقيقي داخل المشهد الإقليمي، كما عزّز من موقف الدول الخليجية المقاطعة لقطر والتي تأخذ على الدوحة أجندتها غير الخليجية المرتبطة بمصالح تركيا وإيران وشبكاتهما الإسلاموية في المنطقة. وأكد الرئيس الإيراني حسن روحاني الأحد، أن بلاده تريد توثيق العلاقات مع قطر، رافضا “الحصار” الذي فرضته عليها السعودية وحلفاؤها، وذلك أثناء اتصال هاتفي مع أمير قطر، بحسب موقع الرئاسة الإيرانية.

ويتحدث مراقبون إيرانيون عن أن موقف طهران بدا هزيلا رخيصا في التعبير عن “قلق” من الخلاف الخليجي، كما بدا سوقيا في مناشدة ظريفي للأوروبيين أثناء زيارته لبرلين بلعب دور وسيط لحل هذا النزاع.

ورأى هؤلاء أن إيران شامتة بالنزاع في الخليج وليست لها أي مصلحة في التوصل إلى أي حل، خصوصا إذا ما أعاد إدخال قطر داخل انسجام خليجي واحد يمنع إيران من اللعب على تصدعات ما داخل مجلس التعاون.

وتقول مصادر دبلوماسية عربية إن مواقف تركيا وإيران تحرج قطر في نزاعها الحالي مع البيئة الخليجية، ذلك أن الشعب القطري لا يرضى أن يكون بلده أداة من أدوات المناكفة الإيرانية لمنطقة الخليج وهو مدرك للدور الإيراني المقيت في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، كما دوره في إنتاج خلايا تخريب في البحرين والكويت، كما اللعب على الوتر الطائفي داخل دول الخليج.