لا قطيعة بين حزب الله وحزب الكتائب، لكن لا حوار ثنائياً أيضاً. العلاقة بينهما خاضعة لحركة هبوط وصعود أو مدّ وجزر
 

يكتفي الحزبان راهناً بالتواصل في المؤسسة التشريعية والأمور المجلسية عبر اجتماعات اللجان النيابية. لا اصطفاف عقائدياً في البرلمان في ما يتعلق بمصالح الناس، يؤكّد مصدر كتائبي. الحوار هو تواصل، ثمّ حلّ نزاعات، وصولاً إلى التفكير سوياً في إدارة الشأن اللبناني في العمق بعيداً عما يحصل في الإقليم.

مهما عقدت اجتماعات وحصلت نقاشات فلن نصل إلى نتيجة ولن نتفق، يقول المصدر الكتائبي نفسه، طالما أنّ "حزب الله" لم يأخذ قراره بالعودة إلى لبنان والتركز فيه بعيداً عن الإرتباطات الإقليمية، بغضّ النظر عن أنّ الإشتباك السني – الشيعي إقليمياً الذي حتم حوار "حزب الله" – "تيار المستقبل"، غير موجود بالحدّة نفسها مسيحياً مع "حزب الله" على مستوى المنطقة.

لكن هل يستمر الوضع على ما هو عليه أم يتطوّر ليحدث خرقاً في ضوء المستجدات التي تعصف بالعلاقة بين الصيفي من جهة وثنائي معراب – الرابية من جهة أخرى؟

تشي بعض المعلومات بأنّ حواراً على خط الضاحية – بكفيا قد يخرج إلى العلن في المرحلة المقبلة. وفق مصادر مطلعة، بادر رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل عبر المقربين منه، إلى طرح فكرة التلاقي مجدّداً. طرحٌ لقي تجاوباً من المقاومة. فحزب الراية الصفراء لا مشكلة عنده بأيّ لقاء يعزّز التقارب بين اللبنانيين وسيكون متجاوباً مع أيّ دعوة أو اندفاعة كتائبية. إرادة الإنفتاح موجودة عنده دوماً.

كانت عقدت في السنوات الماضية جلسات عديدة بين النائبين إيلي ماروني عن "الكتائب"، وعلي فياض عن "حزب الله". وعلى ما يبدو هناك استعدادات اليوم لإعادة تفعيل هذه اللقاءات مجدّداً، مع تغيير في "مفوض الكتائب" للحوار، إذ تحدّثت المعلومات عن أنّه ستتمّ الإستعاضة عن نائب زحلة، بقيادي كتائبي يتمتع بصلاحيات أكبر، بيد أنّ النائب فياض سيبقى مكلّفاً ومسؤول العلاقات "حزب الله" مع الأحزاب المسيحية أبو سعيد الخنسا في إدارة هذا الملف من ضفة حارة حريك.

يؤكّد مصدر معني أنّ تحالف القوات اللبنانية - التيار الوطني الحر قد يشكّل عاملاً تحفيزياً لـ"كتائب سامي" لتفعيل الحوار، لا سيّما أنّ الصيفي كان المستفيد الأبرز بطريقة غير مباشرة من حرص "حزب الله" خلال نقاشات القانون الإنتخابي على رفض إلغاء أيّ مكوّن من المكوّنات المسيحية.

لا شك في أنّ التعقيدات الشكلية المتحكمة بعلاقة "حزب الله" بحزب "الكتائب" أخفّ وطأة من تعقيدات علاقته بـ"القوات"، وإن كان الإرث التاريخي لبكفيا ومعراب هو إرث متبادل، لكن الشمّاعة لبست "القوات" في حين أنّ "الكتائب" تخففت من هذا العبء،علماً أنّ ملف الديبلوماسيين محصور بما اقترفه الزيتيون يومذاك، يجزم المصدر.

لا شك في أن الدكتور سمير جعجع، بحسب المصدر نفسه، ذو وزن سياسي بدءاً من الحالة الآذارية وصولاً إلى تفاهمه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. إذ بات يمثل حالة أكثر حيوية وثقلاً من حالة "آل الجميل" سواء على المستوى التمثيلي أو السياسي أو التحالفات العابرة.

لم يمنع الخطاب الحاد للنائب الجميل المساحات المشترك مع "حزب الله". إذ يحاول رئيس الكتائب المبالغة بالخطاب الخشبي المتمسك بالثوابت التاريخية لبكفيا وأسر نفسه في مصطلحات لم تتغير مع تطوّر المتغير في البلد، لكن الرئيس أمين الجميل في الوقت نفسه، يؤكّد المصدر ذاته، حريص على إبقاء التواصل مع "حزب الله" والمحافظة على مستوى معين من التقارب مع حارة حريك التي وقفت، بحسب أوساط كتائبية، سداً منيعاً أمام الخطاب الجبراني القواتي الإلغائي.

هذا المشهد لا ينفي، وفق المصدر، أنّ الجميل الابن دأب على رفع الخطاب الشعبوي المغرض. خطاب يسعى من خلاله الإضاءة على "سقطات خصومه" وعلى مواقفهم السياسية والملفات المشبوهة. لكن ذلك لا يؤشر إلى أنّ باستطاعته تشكيل حالة مستقطبة في ظل ثنائية عونية - قواتية. فالحالة الأولى ترتكز إلى الدولة وباتت متحكّمة بالمؤسسات أمّا الحالة الثانية فركائزها "ذكاء الحكيم" بالتعاطي مع اللحظة السياسية الآنية بخطاب براغماتي نجح في إحداث افتراقات.

وبالتالي، فإنّ ما يجري يستدعي من نائب المتن الشمالي إدارة تحالفاته بدقة. إذ يمكن للقانون الجديد أن يوفر له رافعة لوصول 3 نواب. غير أن الأخير لا يبدو أنه مستعدّ لتجاوز قواعد المنهجية للمدرسة الكتائبية، رغم المرونة في الشكل.

يبقى أنّ الإيجابية الوحيدة التي يمكن أن يظهرها رئيس حزب الكتائب تكمن بتقديم نفسه أنه وريث مزدوج للقوات والرئيس عون بالخطاب الشعبوي المتمثل بمحاكاة الوجدان المسيحي.

يخلص المصدر إلى تأكيد أنّ الحوار بين "حزب الله" و"الكتائب" لن يفيد بكفيا في الإنتخابات. انتخابات تتطلّب على مستوى الساحة المسيحية رفع شعارات تعبوية طائفية فضفاضة ومزايدات كلامية إنمائية وخدمية لا سيّما أنّ الأطراف الأساسية المسيحية بدأت تشدّ بثقلها نحو اليمين.

وعليه فإنّ مسألة تطوير الموقف الكتائبي تجاه حزب الله لا علاقة لها بالتحالفات الانتخابية بقدر ما لها علاقة بالسياسات الوطنية. التقرّب من الضاحية الجنوبية لن يساهم في ربح الصيفي مقاعد مسيحية في بعبدا مثلاً. إرادة الاقتصاص منها قائمة عند معراب – الرابية، هذا فضلاً عن أنه من الخطأ الظنّ أنّ حزب الله في ظل الأداء "الجميلي" الحالي سيعطي الكتائب مقعداً في بعبدا والتخلي عن تحالفه مع التيار البرتقالي.

 

 

( هتاف دهام)