بعد الانفراج السياسي الذي تَحقّق نتيجة الاتفاق على قانون الانتخاب الجديد، بدأت الأنظار تتّجه إلى الجنوب والبحر، في ظلّ التهديدات الإسرائيلية بضرب كلّ البنى التحتية اللبنانية في أيّ حرب مقبلة، في وقتٍ بدأ البعض يتخوّف من أن يتحوّل الصيف حارّاً جنوباً
 

في الوقت الذي تحدّث الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله امس في مناسبة «يوم القدس العالمي» عن أنّ «اسرائيل تتجنّب الحرب على لبنان وغزّة لأنّها تعلم جيّداً انّها مكلفة بسبب قدرة المقاومة»، فإنّ كثيرين ينظرون بقلق الى مستقبل الوضع على الجبهة اللبنانية في ظلّ التطورات السائدة في المنطقة، والتحرّكات والمواقف الاسرائيلية التي تثير الريبة والشك في نيات اسرائيل التي تتدخل من حين الى آخر بقصف اهداف على الاراضي السورية وتقول إنّها اهداف تابعة لـ«حزب الله».

وكأنها تحاول استدراجَ النظام السوري او «الحزب» لمواجهة معها وفق توقيتها هي، في الوقت الذي يعتبر كثيرون انّ غاراتها على اهداف في العمق السوري هي «غارات سياسية»، او محاولة لتغيير موازين القوى على الارض لمصلحة المعارضة.

ولكنّ المتابعين للتطورات السياسية والعسكرية على الجبهة اللبنانية ـ الاسرائيلية يتخوّفون من ان يكون هذا الصيف حارّاً على هذه الجبهة، لأنّ الاسرائيليين يطلقون يومياً اشارات تدلّ الى انّهم قلقون ومتخوّفون من القدرات العسكرية والبشرية التي باتت تمتلكلها المقاومة و«حزب الله» الى درجة انّ قوّة الحزب باتت تولّد لديهم عقدة، بحيث انّهم باتوا غير متقبّلين للواقع كيف انّ لدولةٍ اسمُها اسرائيل بما تملك من سلاح نووي الى جانب احدث الاسلحة وأفتكِها تتقبّلُ وجود «حزب الله» بما يملك من ترسانة صاروخية وغيرها من الاسلحة والعديد، يُشعرها يوماً بحال الخطر.

فالاسرائيليون، حسب هؤلاء السياسيين، يرون انّ اسرائيل مهما امتلكت من «قبّة حديد» ودروع صاروخية وغيرها لن تستطيع ان تتجنّب خطر سقوط صواريخ «حزب الله» التي بينها ما يمكنه ان يطاول المنشآت النووية الاسرائيلية، في وقت لا يمكن اسرائيل استخدام السلاح النووي الذي تمتلكه ضد محيطها لأنه سيؤذيها مثلما سيؤذيهم، وهي لاتستطيع إبعادَ هذا الخطر عنها كالولايات المتحدة الاميركية التي استخدمت السلاح النووي ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية مستهدفةً مدينتَي هيروشيما وناكازاكي اللتين تبعدان اكثر من عشرة آلاف كيلومتر عن الاراضي الاميركية.

لذلك، يقول السياسيون انّ اسرائيل تدرك هذا الواقع، وتعرف انّ لدى «حزب الله» صواريخ قادرة على اصابة اهداف نووية اسرائيلية، ولكنّها في الوقت نفسه قد لا تستطيع الاستمرار في تحمّلِ هذا التهديد الواقع على مرمى حجر منها.

ويضاف الى ذلك مشكلة النفط التي قد تتحوّل «حرباً نفطية» بين لبنان واسرائيل التي قرَضت 865 كيلومتراً مربعاً من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخاصة وباشرت الاستفادة من هذه الثروة النفطية غير آبهةٍ بحقوق لبنان ومصالحه، وهو لم يباشر حتى الآن في التنقيب عن غازه ونفطِه لأسباب تتصل بتلك القرصنة وبغيرها من الاسباب الداخلية اللبنانية والخارجية.

سابقاً جاء الموفد الاميركي فريدريك هوف مكلفاً حلّ النزاع النفطي بين لبنان واسرائيل وحاوَل إيجاد حلّ لهذا النزاع. وحسب الحلول التي اقترَحها والتقارير التي وضَعها اعطى هوف لبنان نسبة 55 في المئة من المساحة المقرصَنة، فلم يقبل لبنان بهذا العرض وتمسّكَ بحقّه الكامل بهذه المساحة، وإذ أوكلت الإدارة الاميركية هذا الملف الى مسؤول آخر، استفادت اسرائيل من ذلك وأخفَت الحلول والتقارير التي وضَعها هوف بنتيجة ضغوط مارسَتها على الولايات المتحدة.

الامر الذي ولّد نزاعاً نفطياً بين لبنان واسرائيل الى جانب النزاع الحدودي الناشيء من احتلال اسرائيل المستمر لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشرقي من قرية العجر. فإسرائيل تهدد لبنان بأنّها ستدمّر بناه التحتية في ايّ حرب مقبلة، و«حزب الله» يردّ على هذا التهديد بتهديد مماثل، ووصَل الامر الى أنّ الحزب مستعد لقصف المنشآت النفطية الاسرائيلية في البحر إذا حاولت اسرائيل منعَ لبنان من استغلال ثروته الغازية والنفطية.

ولذلك يتخوّف السياسيون نفسُهم من أن يتحوّل الصيف حارّاً في ضوء التهديد الاسرائيلي لـ»حزب الله» على خلفية قوّته الصاروخية والاحتكاك اللبناني ـ الاسرائيلي القائم حول موضوع النفط البحري. فالاسرائيليون يتصرّفون على اساس انّهم يواجهون تحدّياً يتعرّض له امنُهم بفصل القوّة الصاروخية التي يملكها «حزب الله»، وهم تعوّدوا، أو هكذا يحاولون إظهارَ موقفهم، من انّ امنَهم هو «أمن مطلق مئة في المئة»، ويمكن في هذه الحال ان يستفيدوا من وجود الرئيس الاميركي دونالد ترامب الداعم لهم، إذ يمكن ان يؤمّنَ لهم تغطية شاملة لأيّ حرب يقرّرونها ضد لبنان و«حزب الله»، خصوصاً أنّ كلّ الحراك الاميركي وجولات ترامب الخارجية منذ تولّيه مسؤولياته تركّز على تقليص نفوذ الجمهورية الاسلامية الايرانية وحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم «حزب الله» الذي ترى اسرائيل فيه تهديداً دائماً لأمنها.

على انّ الاحتكاك القائم على الصعيد النفطي بين لبنان واسرائيل هو احتكاك كبير، لا يستطيع احد ان ينام إزاءه على حرير. بدليل أنّ الاسرائيليين إشتروا من ألمانيا في الآونة الاخيرة اربع غوّاصات من نوع «دولفن» و12 سفينة حربية، وخصّصوها لغرض حماية منشآتهم النفطية البحرية، ما يدلّ الى انّ في الأفق حرباً نفطية قد تندلع بين لبنان وإسرائيل التي قرصَنت منطقته الاقتصادية الخالصة بمساحة 875 كيلومتراً مربعاً، وهي تستخرج النفط والغاز، فيما لبنان مسَربل بالروتين وبـ«أشياء أُخرى» ولم يلزم التنقيب بعد، وفي حال باشَر التنقيب هذه السَنة، فلن يبدأ الإنتاج قبل خمس سنوات على الأقل، على ما يقول الخبراء في هذا المضمار.