تحوّلت الحرب ضد «داعش» في إيران، الى «حجاب» لكل الحروب الإيرانية الداخلية والخارجية على السواء. كما كان متوقعاً، فإن الدعوة إلى الوحدة الوطنية، وتصليب الجبهة الداخلية تحولت الى «سلاح» بيد التيار الأصولي المتشدد لقمع أي صوت يعلو على صوته. هذا التيار الممسك، بالمواقع – «المفاتيح» في النظام منذ أكثر من عقدين، والقلق حالياً، من ارتدادات خسارته للانتخابات الرئاسية، بأغلبية شعبية غير مسبوقة، يتحفز بكل ما يملك من وسائل قمعية سواء أمنية أو سياسية أو حتى مذهبية، لاستعادة قوته لمواجهة أي خسارة متوقعة، خصوصاً المتعلقة منها بخلافة المرشد آية الله علي خامنئي الآن أو غداً. الخوف من الانفتاح والاعتدال والإصلاح، المتعاظم يومياً في ظل «التسونامي» الشعبي الذي وقع يوم الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، يهيمن على كل القرارات الشعبوية باسم مواجهة الأعداء.

العملية العسكرية بقصف مقر لـ«داعش» في سوريا بالصواريخ الباليستية، كما أعلنت قيادة «الحرس الثوري»، أصبحت قاعدة لكل هذه «الحرب» ووضع لها عنوان كبير هو: «رسالة من نار على أجنحة الصواريخ»، وبنودها تتضمن:

*«إن الأمن القومي الإيراني خط أحمر، لا تحول الحدود والجغرافيا دون ردة الفعل المباشرة».

*«جرى الانتقال من مرحلة المستشارين في سوريا إلى مرحلة الاشتباك المباشر».

*«لا تأثير للرئيس الأميركي دونالد ترامب على أي قرار إيراني».

وكل هذه «الرسائل» الى الأصدقاء والأعداء على السواء تحوّلت الى مواجهة داخلية. وإذا كان الرئيس حسن روحاني قد «اعتبر أنّ العملية كانت إجراءً ضرورياً على صلة بالأمن القومي»، فإن مجرد إشارته الى أن القرار اتخذ في «مجلس الأمن القومي»، تحوّل الى جزء من الحرب الداخلية. الأصوليون المتشددون ومعهم تيار من داخل «الحرس» حتى ولو جرى توقيع التصريحات باسم «الحرس»، شددوا على أن إطلاق الصواريخ كان قراراً صادراً عن المرشد الذي يشغل منصب القائد العام وقيادة «الحرس».

بعيداً عن هذه «الحرب» الداخلية الصغيرة، التي تضمنت تضخيماً للعملية الصاروخية بهدف إبراز أهمية سلاح الصواريخ وإسكات أي اعتراض داخلي ولو ضمني على الإنفاق الواسع على التصنيع الصاروخي المباشر أو في بناء المخازن السرية العديدة.

الحرب «ضد داعش»، تتواصل في الداخل (وسط صمت إعلامي إيراني) بقوة وشراسة أكبر من الماضي. المحامية شيرين عبادي الفائزة بجائزة نوبل للسلام كشفت «تفاقم التوتر في مناطق القوميات – الكردية والبلوشية – حيث تجري اعتقالات واسعة ويسقط قتلى». الملاحظ أنّ أي إعلان عن مواجهة في «الأحزمة» القومية والمذهبية، أصبح يوضع ضمن المواجهات ضد «داعش»، بذلك يتم إغراق أي معارضة في مستنقع الحرب ضد الإرهاب، وبالتالي تشريع «الحرب» ضدّ المعارضة وتحويلها الى جزء من الدفاع عن الأمن القومي الإيراني، مما ينشر الرعب ويفرض الصمت وبالتالي تراجعاً للمعارضة أياً كانت هويتها وتوجهاتها.

السؤال الكبير الذي بدأ يشغل الأوساط الإيرانية والإقليمية والدولية على السواء هو: إلى أي مدى، والى أين سيصل «التدخل المباشر» الإيراني في سوريا والعراق واليمن بعد تجربة القصف بالصواريخ الباليستية؟.. من الطبيعي أن تكون سوريا أولاً في هذا التحوّل. ما يضاعف من موقع سوريا في هذه الحسابات والتوقعات الجديدة، أن خرائط جديدة تُرسم حالياً للمواجهات فيها ولأطرافها، وإذا كانت المنافسات محتدمة فإن التحالفات أو التفاهمات الطارئة قائمة.

لا أحد حتى الآن يمكنه تحديد ماذا تريد واشنطن في سوريا والمنطقة، والى أي مدى ستصل في رسم أي خط أحمر أمام طهران على الأرض وموسكو في الجو؟ أيضاً أين يقع «الخط الأحمر» التركي في مواجهة «الشريط الكردي» في شمال سوريا، وكيف ستتعامل مع موسكو وطهران في هذا الملف الشائك والخطير بالنسبة لتركيا وإيران وسوريا؟ وماذا ستفعل واشنطن في حال حصول مواجهة تركية – كردية؟ هل تخون الأكراد وتتركهم لمصيرهم الأسود كما يقول السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد؟ وماذا عن مستقبل الرئيس بشار الأسد وسط هذا المستنقع الفريد من نوعه في عدد «الغاطسين» فيه واختلاف أهدافهم؟.

وسط كل ذلك تبقى إيران هي الأخطر، لأنها قادرة على إشعال حرب مجهولة النتائج أو تشجيع الحل والتفاهمات عبر القناعة بحصة لها تؤكد حضورها ودورها دون هيمنتها في المنطقة؟ أما لماذا هي الأخطر، فلأنه في الوقت الذي يذهب فيه الرئيس دونالد ترامب بعيداً في تهديداته ويؤكد المستشارون الأميركيون أن تحديد موقع «إيران ونفوذها من أولويات أهدافه»، فإن السفير روبرت فورد يرى «أنّه بسبب سياسة الرئيس باراك أوباما في سوريا ونحوها قد ثبّت خسارة الثورة وانتصار إيران، ولذلك فإن الرئيس ترامب لا يمكنه فعل أي شيء».

هذا الكلام مدعوماً بالخط البرّي الذي أشرف على فتحه الجنرال قاسم سليماني بين العراق وسوريا والذي مكّنه ويمكّنه من مدّ «قواته» وقوات الأسد بالأسلحة والذخائر والرجال، قد يُنتج تشدداً إيرانياً يمكن استثماره في مواجهة الولايات المتحدة خارجياً، من جهة، ومن جهة أخرى دعم التشدد في الداخل في عملية مكشوفة لتقييد الرئيس حسن روحاني وإغراق «الروحانية» في بئر «الخاتمية» ليكون الشاهد على ربح «أم المعارك» في تسمية مرشد من «قماشة عباءة» المرشد الحالي آية الله علي خامنئي.