هناك حراك فكري ديني إيجابي مما حصل ويحصل على خلفية ما أثاره الشيخ عودة
 

في وقتٍ يمرّ فيه العالم الاسلامي والعربي بظروفٍ إستثنائية , مما يحتّم على المسلمين إعادة النظر في مفاهيم الدين والسياسة والحضارة والثقافة والذات والآخر , وهذا الأمر ليس باليسير , كما يتوهم البعض , إذ أن الكثير من الأفكار والمفاهيم أصبحت من المسلمات والبديهيات عند العلماء فضلا عن العوام , وهذا سببه عدم معرفة أو دراسة تاريخية الفكرة أو المفهوم .

إقرأ أيضا : بيان لمؤسسة المرجع فضل الله حول قضية الشيخ ياسر عودة
ولا ننكر أن ثمة محاولات كثيرة بهذا الصدد , منذ بدايات العصور الأولى الاسلامية وظهور الفرَق الكلامية الاسلامية , وقد برزت هذه المحاولات أكثر نضوجا في العصر الأندلسي , وخاصة في مرحلة الترجمة للكتب الفلسفية اليونانية في دار الحكمة الذي بناه الخليفة العباسي المأمون , وما تلاه من بروز الفلاسفة الإسلاميين الذين أعطوا العقل دورا مهما بموازاة النقل , وكان رائد هذا الحراك الفكري الفلسفي , الفيلسوف إبن باجه وتلاه إبن طفيل وصولا إلى فيلسوف العقل الاسلامي إبن رشد . 
ومما لا شك فيه أن تلك التجربة جديرة بالمراجعة والتمحيص , لأن فيها دار صراعٌ بين الفقهاء وبين الفلاسفة , وكانت السلطة آنذاك دائما إلى جانب الفقهاء , مما أضعف موقف الفلاسفة , وقوّى من شوكة الفقهاء , وبالتالي تغلّبوا على الفلاسفة وسادت آراؤهم .

إقرأ أيضا : الشيعة طائفة منكوبة: المؤمن رضا المصري إلى الحرية... والكافر ياسر عودة إلى قفص الاتهام
بالعودة إلى ما أثاره مؤخرا فضيلة الشيخ ياسر عودة , وما تلاه من ردود , وجدال , وحوار , بغض النظر عن صحة ما قاله أو عدم صحته , وأيضا بغض النظر عن صحة طريقة الردود , أو النقطة التي أثيرت حولها النقاشات , فإن ما حصل ويحصل هو حراك فكري ديني إيجابي بكل المقاييس , لأنه يدل على أن ثمة مساحة للقول بأن الفكرة لا بد أن تناقش , ومن البديهي أن الفكرة لا  تتبلور إلا بالحوار , لكن نشدد هنا على ضرورة الإلتزام بمنهج علمي لنقاش أي فكرة , ومما تجدر الإشارة اليه أن إيجابية ما أثير هو أنه يفتح الباب على نقاش كل شيء , وهذا النقاش ينبغي أن ينطلق من نقطة عدم التسليم بشيء غير يقيني وبديهي ومسلّم به بطريقة لا يرقى الشك إليها , وهذا يعني أن ثمة الكثير من البديهيات هي في الواقع ليست كذلك إلا بالعادة والتقليد , وأهم ما يمكن أن يُطرح في هذا الصدد هو مسألة تاريخية الأفكار السائدة , وتاريخية تشكلها في الوعي الجمعي أو الفردي الذي يمثل الجمعي أعني به وعي الفقيه , وكيف أصبحت مسلّمة ولماذا ؟ 
كل هذه الأسئلة وما يتفرّع عنها يعتبر مصدرا للطمأنينة وليس للقلق على العقيدة والشريعة , ولا خوف على العقيدة والشريعة مع حرية السؤال , بل بالعكس إن الخوف والخطر على العقيدة والشريعة هو في عدم حرية السؤال , لأن عدم حرية السؤال يكرّس آراء بشرية وتتحول إلى مقدسات وثوابت , وبالتالي هنا تكمن الخطورة .