ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها رجل دين إلى اتهامات تصل إلى مستوى التكفير. والشيخ ياسر عودة ليس أول عالم دين. وبالتأكيد لن يكون الأخير الذي تصيبه سهام من يفترض فيهم أن يكونوا أخوة في الدين ومن ذوي القربى. وهي سهام مسننة ومصقولة بسموم الحقد والضغينة والكراهية. وعلى خلفية حسابات شخصية واعتبارية ضيقة. وليس لأسباب دينية وفقهية واجتهادية. كما يحاول الرامون بهذه السهام أن يبرروا اساءاتهم وتعدياتهم على رموز دينية من المفترض أن تتمتع بحصانة علمية واعتبارية واجتهادية تحميها من العبث بكراماتها وبالمراكز الدينية المرموقة التي تشغلها. وتحول دون التطاول على المقامات الرفيعة التي بلغتها بالجد والعمل والاجتهاد. 
فقد سبق للكثيرين من أمثال الشيخ عودة ومن هم أرفع منه في الدرجات العلمية والفقهية والاجتهادية او أدنى من ذلك أن تعرضوا لانتقادات لاذعة وهجومات إعلامية مشينة واتهامات خطيرة وصلت حد وصفهم بالمرتدين عن الدين والخارجين على إجماع الأمة. وقذفهم بأبشع النعوت واشنعها ورميهم بأسوأ الأوصاف وأكثرها دناءة وتوجيه إساءات أليمة لهم بإستخدام عبارات سوقية وألفاظ مسيئة يندى لها جبين الإنسانية. 
فقد سبق للمرجع الاعلى سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره أن تعرض لحملة ممنهجة من خلال مناشير تولى توزيعها في الظلام خفافيش الليل واستهدفته في إيمانه وتدينه واجتهاده بكلمات بذيئة تتهمه بالردة والزندقة واتهامات ما أنزل الله بها من سلطان. 

إقرأ أيضًا: الأمن قرار و إرادة
وبدأت هذه الحملة المركزة على السيد فضل الله منذ اللحظة الأولى لتصديه للمرجعية والإعلان عن بلوغه درجة الإجتهاد واصداره رسالة عملية تؤهله لموقع مرجعية التقليد. 6
وقد تخطت الإساءة للسيد فضل الله حدود التعديات المعنوية والحملات الإعلامية بتوجيه رسالة تهديد نارية إلى شخصه عندما أقدم أحد الرجال الأمنيين التابع لأحدى التنظيمات العسكرية المسلحة التي تهيمن على المنطقة التي يقيم فيها سماحته على الدخول إلى حرم منزله وإطلاق رصاصات في فضاء دارته منتهكا حرمة المنزل ومن يقيم فيه. واحيطت الحادثة بغلاف من السرية لكن أصداء الرصاص اخترق الكثير من الأذان. وانتهت الواقعة بزيارة قام بها الأمين العام للتنظيم المذكور وتقديم اعتذار عن هذا الخطأ المقصود للملمة ذيوله. إلا أن الرسالة وصلت. 
وما تعرض له مفتي صور وجبل عامل الشرعي سماحة العلامة السيد علي الأمين لا يقل إساءة وظلما مما تعرض له السيد فضل الله. فقد تم الاعتداء على منزل السيد الأمين ومن ثم احتلاله وكذلك احتلال مركز عمله دار إفتاء صور واقالته من وظيفته والاستيلاء على أغراضه وأثاث منزله واشيائه الخاصة به من قبل التنظيم المسلح الذي يسيطر على منطقته صور وجوارها دون وجه حق ووصلت المضايقات له ولتحركه حد اضطراره لمغادرة مسقط رأسه وأرض آبائه واجداده في جبل عامل والهجرة باتجاه العاصمة بيروت والإقامة في منطقة خارج حدود هيمنة هذا التنظيم وذلك للنجاة بدينه وإيمانه وفكره المتحرر من قيود التبعية وللاستمرار في تبليغ رسالة الإسلام الداعية إلى المزيد من التآلف والتقارب والحوار بين كافة الفرق الإسلامية حفظا للدين ولكافة القيم الأخلاقية الرفيعة. 
وبالعودة إلى سماحة الشيخ ياسر عودة. فليس دفاعا عنه. إذ لم يتسن لي التعرف عليه شخصيا. ولم يجمعني معه أي لقاء ولا يربطني به أي مشروع. لكني لم أجد في ما استطعت سماعه من خطبه ومحاضراته سوى الدعوة إلى تحرير العقل من التبعية والانقياد الأعمى. وأن نفكر بعقولنا وليس بعقول غيرنا. والعودة إلى الله سبحانه وتعالى فهو المقدس وإلى الكتب السماوية التي لا يأتيها الباطل. ووجدت في كلامه دعوة صادقة لعبادة الله عبادة الأحرار لا عبادة العبيد والتجار. 
لكن الشيخ عودة وقع في المحظور الذي وقع فيه غيره ممن سبقه وممن قد يلحقه بتطاوله فوق السقف الذي وضعته الإقطاعية السياسية الشيعية وحرمت على الأمة الاقتراب منه. ذلك أن النظام الطوائفي في البلد أتاح لكل زعامة طائفية أنتجتها الحروب الأهلية أن تجعل من نفسها اقطاعية سياسية وترسم حدودا وتضع سقوفا بحيث يمنع على أفراد الطائفة الاقتراب منها ويحظر اختراقها وتجاوزها تحت طائلة احتراقه بنار اتهامه بالتكفير والارتداد والزندقة والمس بالمقدسات وجزاؤه إلغائه وطمس فكره