عشية «جنيف 6» و«أستانة 5» تلاحقت التطوّرات الدراماتيكية على الساحة السورية وأدخل الهجوم الصاروخي البالستي الإيراني الأزمة في نفق جديد. وباتت طهران في حال الإعتراف الشامل بضربتها الشريك والمتدخّل الرئيس الثالث الى جانب كل من واشنطن وموسكو. وهو ما طرح السؤال: ما هي الظروف التي تسلّل من خلالها «ذو الفقار» الى اللعبة السورية؟ وما هي الرسائل التي حملها؟
 

بعد ساعات قليلة على الإعلان عن الضربة الصاروخية الإيراينة على دير الزور السورية في 19 من الجاري ربط المسؤولون الإيرانيون وقادة الحرس الثوري الإيراني تحديداً العملية بالهجوم المزدوج الذي شهدته طهران في 17 من الجاري ونفّذته مجموعتان الأولى اقتحمت بزِيّ نسائي مبنى مجلس الشورى الإيراني وأخرى هاجمت مرقد الإمام الخميني ما أسفر عن مقتل 17 شخصاً وإصابة 43 بجروح مختلفة.

وعلى وقع إعلان الناطق باسم «حرس الثورة الإسلامية» رمضان شريف عن الضربة التي استخدمت فيها «ستة صواريخ متوسطة المدى استهدفت مواقع الإرهابيين وتحصيناتهم في دير الزور وأصابت أهدافها بنجاح وحققت الغرض المقصود منها...». لم يرصد المحلّلون العسكريون عقب العملية الإيرانية ردات فعل دولية وإقليمية يمكن التوقف عندها إذا ما قيست بالحجم الذي أرادته طهران.

وفي الوقت الذي اكتفت إيران بالروايات الرسمية عن العملية، وحدها وسائل إعلام النظام السوري رحّبت بها ومعها أصدقاؤها في المنطقة من بيروت الى بغداد من دون أن تتوافر أيّ صورة عن حصيلة الهجوم، على رغم الإشارة الإيرانية الى أنّ إيران واكبت بطائراتها المسيرة وأجهزة الرصد مسار الصواريخ من مصدرها في قاعدة كرمنشاه الواقعة جنوب غرب إيران الى أهدافها في دير الزور في سوريا بكل دقة.

وعليه، فقد اعتبرت تقارير عسكرية وديبلوماسية، أنّ عدم تقديم المعلومات عن النتائج التي ترتّبت عن العملية، أصابها في الصميم وقدّم صورة ناقصة عنها تسمح بالتشكيك في فعاليتها ونتائجها على حدٍّ سواء.

وهو ما لا يخفّف في كل الحالات من أهمية الحدث من وجهتي النظر الجيو ـ سياسية والعسكرية. ولذلك فقد أجمعت التقارير العسكرية والديبلوماسية على قراءة الضربة من وجهتي نظر رئيسيتين إيرانية داخلية وأخرى إقليمية ودولية يمكن الإشارة اليهما من خلال بعض الملاحظات.

على المستوى الداخلي قدمت الإدارة الايرانية عرضاً عسكرياً كبيراً أمام الرإي العام الإيراني من خلال إثبات القدرة على الإقتصاص من مجموعات تمكّنت في لحظة وهن وضعف إستخباري داخلي من المَس بهيبة مركزَين إيرانيين من أكبر المراكز التي تحمل الرموز الوطنية الدينية والقيادية وهو أمر اعتُبر خرقاً كبيراً للأمن الوطني.

أما على المستوى الدولي والإقليمي فقد وجّهت العملية رسائل عدة في اتجاه الأطراف المتورِّطة في الأزمة السورية من الخصوم والحلفاء على حدٍّ سواء.

• أولها في اتجاه واشنطن والرياض والدوحة مروراً بعواصم دول الحلف الدولي التي تناصب دمشق وطهران وموسكو العداء. وقالت في وضوح إنّ إيران لم تستخدم حتى اليوم كل عتادها العسكري لإثبات وجودها في حماية النظام السوري وحلفائها في المنطقة.

علماً أنها ليست المرة الأولى التي تستخدم إيران صواريخ بالستية سبق لها أن خبرتها في القصف من الشمال السوري في اتجاه أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة في السنة الماضية، عدا عن الصواريخ الأخرى القصيرة المدى التي تستخدمها في القتال المباشر على أكثر من جبهة.

• ثانيها، في اتجاه تل أبيب لحرصها الدائم على توجيه الرسائل اليها، ولو متأخّرة لإثبات قدرتها على أنها تطاول بقوتها الصاروخية المدن الإسرائيلية على كل مساحتها وهو أمر عليها أن تحتسبه بدقة عند وقوع أيّ مواجهة معها.

• وثالثها في اتجاه الحلفاء في موسكو وأنقرة وبكين عندما أثبتت قدرتها أن تكون، بالإضافة الى حضورها على معظم جبهات القتال السوري بحلفائها وأدواتها المختلفة، في موقعٍ متقدّم يضعها الى جانب حليفها الروسي في هذه المواجهة الكبرى.

والى هذه الملاحظات يمكن التوقف عند تفاصيل أخرى بالإستناد الى ما سبق العملية من تنسيق بقي محصوراً على ما يبدو بين طهران وحلفائها. ومن بين الجهات التي تمّ التنسيق معها بعد إبلاغ دمشق بالعملية قبل دقائق من تنفيذها، كانت موسكو على علم بالعملية بكافة تفاصيلها وشكل القبول الروسي تفهّماً للحاجات الإيرانية في هذا الظرف بالذات ورداً للجميل الإيراني السابق.

فعندما قرّرت موسكو تنفيذَ ضرباتها الصاروخية البعيدة المدى على دفعتين في السابع من تشرين الأول وفي العشرين من تشرين الثاني 2015 من العام عينه من بحر قزوين بـ«صواريخ الكروز»  نالت موافقة إيران على استخدام أجوائها الى جانب العراق وتركيا.

وبعيداً من كثير من التفاصيل، تتوقف مراجع عسكرية وديبلوماسية أمام ما يمكن اعتباره رداً أميركياً غير مباشر على الخطوة الإيرانية من خلال إصرار واشنطن على منع القوات السورية النظامية وحلفائها الإيرانيين من تعزيز حضورهم على الحدود السورية ـ العراقية والإصرار على إسقاط طائرات النظام وحلفائه واحدة بعد أخرى في أجواء المنطقة.

ولا يتجاهلنّ أحدٌ أنّ آخر الطائرات التي أُسقطت كانت إيرانية يديرها الحرس الثوري الإيراني، والمتبقي ستترجمه خطواتٌ ستُتخذ من الجانب العراقي للحدود مع سوريا من خلال الحديث عن تسليم معابر الأنبار الى وحدات من العشائر السنّية وليس من «الحشد الشعبي» وهي مشكلة على ما يبدو ستتحوّل قريباً مشكلة على العراقيين حلّها مع طهران، أما ما يتصل بالداخل السوري فسيبقى إخراجه من مسؤولية الجانب الروسي.