يبدو أنّ الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية هو الأمير محمد بن سلمان، الذي رُقّي بسرعة فائقة من وليّ وليّ العهد إلى مرتبة وليّ العهد الملكي وهو حديث السن، في مطلع الثلاثينيات، والمملكة على أعتاب مرحلة هامة في المنطقة الخليجيّة والعربية معاً، فالخليج يعاني اليوم حرباً أهلية طاحنة في اليمن، والسعودية في قلب المعركة، والخليج تُؤرقُه هذه الأيام التدخلات الإيرانية في البحرين وقطر والسعودية ذاتها. والسعودية تخوض منذ عامين تجربة مفصلية في الخطّة الاقتصادية المبرمجة حتى العام ٢٠٣٠، وتطمح لنقل البلد من اقتصادٍ نفطي أُحادي إلى بلدٍ متعدد الأوجه الاقتصادية، وما لا شكّ فيه أنّ نجاح هذه الخطوة أو فشلها يعني الكثير لمستقبل البلاد ومستقبل الأمير، ذلك أنّ هذه الخطة من إبداعاته وهو المشرف على تنفيذها.

إقرأ أيضًا: الشيخ ياسر عودة.. حذار، فقد يتطوّع أحدهم للتطّهُر بدمك ساعة يشاء
ما يُميّز عهد محمد بن سلمان، العزمُ الظاهر في سياسة المملكة اتجاه النفوذ الإيراني في المنطقة، متقاطعاً مع عزم أميركي في هذا الصدد، فالمنطقة العربية تعاني منذ أكثر من ثلاثة عقود من تدخُّلات إيرانية سافرة في شؤون أكثر من بلد عربي بالمال والسلاح، وإن كان البعض في هذه البلاد يزعم لنفسه مكاسب محدودة ونفوذاً محدوداً، فهذا لا يُقيم أوطاناً، ولا يبني عمراناً. وتتحمل المملكة السعودية قدراً كبيراً من المسؤولية في التّقاعس والتواني عن العمل الجاد لوقف هذا التمدّد والتدخّل السافر، هذا إذا كانت المنطقة ما زالت تتذكّر أنواعاً من التضامن العربي الذي تقتضيه المصالح الوطنية والقومية والدينية، ويفرضه الشرع والعُرف والتاريخ.

إقرأ أيضًا: إجتماع رؤساء الكتل... معاوية وعمرو بن العاص لا يجتمعان على خير أبداً
إعادة التذكير بما تعانيه البلاد العربية من حوالي عقدٍ من الزمان من حروب وتدمير وقتل وتهجير وسجون مكتظة بالابرياء، أصبح مُمّلاً، فضلاً عن جلب الهمّ والغمّ، في حين تنعم ثلاث دول هي إسرائيل وإيران وتركيا باستقرار ملحوظ وتوفُّز واضح للانقضاض على هذه البلاد، طمعاً بخيراتها، وتهديداً لسيادتها واستقرار كياناتها. في حقبة الثورات أواسط القرن الماضي ، الناصرية والقومية والبعثية، كانت الآمال معقودة على مصر وسوريا والعراق، هذه الأقطار اليوم بحاجة إلى من يأخذ بيدها كي تقوم من عثراتها، لم تبقَ في الساحة سوى المملكة السعودية، كدولة مستقرّة وتنعم بوفرة نفطية، وهي من قبلُ ومن بعد، قُبلة المسلمين في حجّهم ونُسكهم وشعائرهم، وعليها أن تقوم بما رمتها به المقادير والاحتياجات الطارئة. فهل يقوم بذلك هذا الأمير الذي ينحني ليُقبّل قدم ابن عمّه الذي فقد للتّو إرثهُ في اعتلاء عرش المملكة؟ إن هما إلاّ حرفان كما قال الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان لابنه الوليد ووليّ عهده: إعلم أنّه ليس بين السلطان وبين أن يملك الرّعية أو تملُكهُ إلاّ حرفان: حزمٌ وتوانٍ.                                     ّ