من البديهي القول إن مهمة المبعوث الأممي الجديد في ليبيا اللبناني غسان سلامة لن تكون سهلة في بلد أنهكته الصراعات المستمرة منذ ست سنوات، وقد لا تكون أفضل حالاً من أسلافه، بدءاً بالأردني عبد الإله الخطيب وانتهاء بالألماني مارتن كوبلر الذي أثار جدلاً كبيراً خلال الفترة التي قضاها على رأس البعثة الأممية في ليبيا.
ولم تتوضح حتى الآن السياسة التي سيتعبها المثقف والأكاديمي اللبناني، الذي يفترض أن يتم الإعلان عن تعيينه رسميا الثلاثاء، في ليبيا حيث تتنازع السلطة ثلاث حكومات في الشرق والغرب، فضلا عن وجود عشرات المجموعات المسلحة التي يدين بعضها بالولاء لأطراف الصراع الرئيسية في البلاد، على أن سلامة قد يستفيد من خبرته السياسية الطويلة في المنطقة، وخاصة خلال عمله ضمن وفد الأمم المتحدة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، في مهمته الجديدة.
وتتباين مواقف الباحثين والمحللين الليبيين حول مهمة المبعوث الأممي الجديد، فثمة من يرحب بتعيينه ويطالبه بالابتعاد عن أسلوب أسلافه «المنحاز» لبعض أطراف الصراع وإقصاء الآخرين، ومن يشكك بنجاحه في مهمته والحلول التي يمكن أن يقدمها للأزمة المستمرة في البلاد، وثالث يدعوه لقراءة الواقع الليبي بشكل جيد قبل الدخول في معركة دبلوماسية خاسرة قد تعقّد الأزمة بدل حلها.
ويقول أحمد عبد الحكيم حمزة مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا: «نرحب بتعيين السيد غسان سلامة، مبعوثاً أممياً جديداً الى ليبيا، ونأمل أن تكلل جهوده في الحل النهائي للأزمة السياسية الليبية التي طال أمدها، ونود أن نلفت انتباه سلامة الى ضرورة العمل الجاد مع جميع الأطراف الليبية من دون أي إقصاء أو أبعاد لأي من الأطراف (السياسية والاجتماعية) المؤثرة والفاعلة في المشهد الليبي من أجل إيجاد حل شامل وجامع وتوافق يشمل الجميع».
ويضيف في تصريح خاص لـ«القدس العربي»: «نأمل أن سلامة سيتلافى الأخطاء التي وقع فيها المبعوثون السابقون الي ليبيا من الانحياز لأحد من أطراف النزاع وإقصاء وتغييب أطراف فاعلة ومؤثرة في المشهد الليبي من بينها القبائل وأنصار النظام السابق ومؤسسات المجتمع المدني وقوي وطنية مستقلة، من مسارات الحوار وهو ما أدى الى حدوث حالة من الاختلاف والانقسام حول اتفاق السلام الليبي الموقع في الصخيرات المغربية. كما يتوجب على المبعوث الجديد أن يعمل كوسيط وراعٍ لجهود الوساطة بين جميع الأطراف الليبية وليس كوصي أممي على ليبيا، ويجب أن يدفع في اتجاه الحوار الليبي – الليبي».
فيما ترى الباحثة والإعلامية فاطمة غندور أن مهمة سلامة لن تكون سهلة إطلاقا فهو «يدخل إلى ليبيا في ظروف أشد ما تكون تعقيدا على الارض، إذ راوح خلفه السيد كوبلر في مكانه موقفاً وردود أفعال من الازمة واطرافها ساعة استلم الاضبارة (اتفاق الصخيرات)، التي جهّزها خلفهُ برناردينو ليون لجمع الفرقاء الليبيين».
وتشير إلى أن «خلفية عمل سلامة في الشؤون الدولية لا تبدو مُقاربة لأغلب من سبقه، إذ عمرت ملفاتهم بأدوارهم الثقيلة مُنتدبين لحل الازمات في ساحات دولية متأزمة. كما أن لديه أدوارا سياسية منذ 2003 لم يحالفها التوفيق كعضويته في لجنة العراق ولجنة بورما وغيرها، لكن ما سيُحسب له أنه ظل على تواصله الأقليمي والدولي مع بعض الأطراف التي تبدو مؤثرة في الضغط بشأن حلحلة الازمة الليبية، وتلك الاطراف تمثل جزءاً من مفاتيح الدفع في اتجاه ربط العلاقات بين من طال انقسامهم، ولم يلتقوا على ما زعموا أنه وفاق (الصخيرات 2015)».
وتضيف: «سيأمل الليبيون الذين أكتووا بنار الظروف المعيشية الصعبة وتقطّعت سبل بعضهم نزوحا وهجرة منذ انحراف المسار الديمقراطي ساعة احتراب المغالبة المُسلحة 2014 من قبل تيار الاسلام السياسي وحين هج العالم عنا وانقسمت البلاد، سيأملون في استيعاب سلامة للحالة الليبية متكاملة الاركان، غير مُكررٍ لمسار خلفه كوبلر في انحيازه لطرف في الازمة دون آخر».
وتوصي غندور المبعوث الأممي الجديد بأن «يُلم بالمرجعيات الجيوسياسية للأزمة الليبية طوال السنوات الست، ومن ثم واقع الحال أو ما وصلت إليه الامور، إذ سيكون عليه التعاطي مع حكومة مُصادق عليها دوليا بطرابلس، وأخرى تم فك تلك المصادقة عنها ساعة خرج الاتفاق ولكن مفعولها مستمر، وإن ضمن جغرافيتها بشرق البلاد فقط!، مشمولا بما لاح في الافق مؤخراً من تبعاتٍ أو نتائج للقاء تحقق منذ أشهر بين رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر برعاية اماراتية، وقد تعلق بمسار الترتيبات الأمنية بالعاصمة ما جرى الشروع به مؤخراً، ومع ما سبق فإن للإدارة الامريكية واقطاب أوروبية – على رأسها إيطاليا وألمانيا وفرنسا – ما ستُدلي به مُعلنا أو عبر تسريباتها، وما سيرتبط بالمسار الذي سينتهجه المندوب الأممي (اللبناني- الفرنسي) غسان سلامة».
ويبدو أن الأداء «المتذبذب» للمبعوثين السابقين في ليبيا وخاصة مارتن كوبلر المعروف بمواقفه المتناقضة من أطراف الصراع، جعل عدداً كبيراً من الليبيين يقللون من أهمية الدور الذي يمكن أن تؤديه الأمم المتحدة في التخفيف من حدة الصراع القائم في البلاد وإيجاد حل سياسي يمهد للمصالحة الشاملة في البلاد، وخاصة في ظل «فشل» حكومة «الوفاق الوطني» في استقطاب جميع الأطراف ودخولها في صراع جديد مع حكومتي «طبرق» و»الإنقاذ»، رغم المساعي التي يبذلها رئيسها فايز السراج في تقريب وجهات النظر مع الأطراف الأخرى.
ويرى الكاتب محمد علي المبروك أن المساعي السياسية التى يقوم بها مبعوثو الأمم المتحدة في ليبيا لن تجدِ نفعاً «وذلك بسبب طبيعة اطراف الصراع الذين يتسمون بالسطحية السياسية وتقديم المصالح الخاصة على مصالح ليبيا ومصالح العالم وهم يوميا يعقدون الأزمة الليبية. فمارتن كوبلر رغم درايته بالازمة الليبية ودرايته بطبائع اطراف الصراع، لم يفلح في تخفيف الازمة الليبية، ولا أعتقد ان غيره سيفلح في ليبيا مع اطراف يفضلون التعقيد على الانفراج لسطحيتهم السياسية ولتقديم مصالحهم عن اي اعتبار».
ويضيف لـ«القدس العربي»: «اطراف الصراع في ليبيا بحاجة إلى ردع وسياسة عقاب لانتشال ليبيا من ازمتها وحماية دول العالم من تاثير هذه الأزمة التى من أوجهها الهجرة غير الشرعية وتهريب الأسلحة وتنامي داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) في مناطق من ليبيا. كما أن اموال الشعب الليبي واموال ليبيا تُمنح من هؤلاء الساسة (أطراف الصراع) الى داعش الذي توغّل حتى في أوربا، فمثل هؤلاء الساسة أي مساعٍ سياسية تنفع معهم؟ لذلك لا بد من فرض عقوبات دولية عليهم لدعمهم داعش وإلزامهم قهرا بإعادة ليبيا الى جادة الصواب».
وتقول الباحثة نجوى بن شتوان «أشفق على سلامة – حقيقة – كمثقف من تولّي هذه المهمة الشائكة، ولا أعتقد – قياساً بمن مر بها قبله من فاشلين – أنه سينجح، وارجو ألا اكون متشائمة، فالاطراف الليبيية متعنتة ومصرة على إفشال قيام الدولة، ولكلّ أسبابه التي يراوغ من أجلها، فبعد الاعلان عن تولي سلامة ارتفعت اصوات الليبيين من الداخل مطالبة بتغيير فريق البعثة السابق الذي لديهم تحفظات عليه، وربما عليه الإنصات لحقيقة هذا المطلب، لعله يحدث تغييراً في المسار».
وتضيف: «جانب كبير من المسؤولية والحل يقع على الاطراف الليبية وليس على سلامة، فهي مازالت ذات الاطراف منذ اول مبعوث، وما لم يجد ما يضغط عليها لتغير مواقفها (لن يكون ثمة حل). ولكن – شخصيا – أتمنى لسلامة التوفيق كمثقف عربي يقود سياسيين تقودهم نوازعهم المتطرفة».
يُذكر أن الفرقاء الليبيين نجحوا في 2015 في توقيع اتفاق سياسي في مدينة «الصخيرات» المغربية أفضى لتشكيل حكومة «الوفاق الوطني» برئاسة فايز السراج، إلا أن أغلب من وقعوا على الاتفاق رفضوا لاحقا الاعتراف بحكومة «الوفاق» وتسليمها مقاليد الحكم، وهو ما دعا بعض المراقبين إلى المطالبة بإجراء حوار ليبي – ليبي داخل البلاد تمهيداً للمصالحة الوطنية الشاملة، وخاصة في ظل بروز قوى جديدة على الساحة، في مقدمها رموز النظام السابق وعلى رأسهم نجل الزعيم الليبي السابق، سيف الإسلام القذافي الذي تم الإفراج عنه مؤخراً.