لا يمكننا اعتبار يوم 21 حزيران من هذا العامِ عادياً. فاليوم، هو العيدُ العالمي للموسيقى، واليوم تعودُ أسطورةُ الغناءِ لترتقي بنا نحو الإبداع والجمال. ستعودُ الذكرى إلى بالِ كلِّ من سمِع وردَّد تلك الأغنياتِ الخالدة. فسفيرتنا إلى النجوم، ستغني من جديد. نعم، ستعودُ جارة القمرِ فيروز بصوتها ووقارها وأدائها الملائكي لتأسرَ قلوب العالم، في ذكرى رحيلِ العاصي، جهبذ الإبداع في لبنان والمشرق، لا بل في العالم. شاءت فيروز أن تستذكر زوجها عاصي الرحباني، بأغنية "لمين" من ألبوم "ببالي، الذي تطلُّ به على الملايين من عشاقها، لتعطي قلوبهم نفحاتٍ من الجمالِ والرِّفعة والسمو.

في اليوم العالمي للموسيقى، توقَّف نبضُ عاصي الرحباني قبل 30 عاماً، وسقطَ الناي حزيناً، وبات رنينُ العودِ يتيماً، وسكتَ الكمانُ ليغدو وحيداً، وجفَّ الحبرُ على ورقِ الكلام والغناء. في يوم الموسيقى، بقيَ إرثُ الرحابنةِ شاهداً على عظمةِ الإبداع، وبقيَ صوتُ فيروز الملائكي بمثابةِ الروحِ لإحياءِ موتى الشعور. ليست مصادفة أبداً، أن يكون يوم الموسيقى العالمي هو اليوم نفسه الذي رحلَ فيه عاصي الرحباني، لا بل إنها عبرةٌ للموسيقى، التي يبنيها عظماء ويرحلون، ولكنَّ إرثهم يبقى مع الزمن نحو الخلود.

في هذا اليوم، ماذا بقيَ من حلم عاصي الرحباني؟.. ماذا بقيَ من الموسيقى وأعلامها؟.. نسألُ أنفسنا عن مستوى الغناء والموسيقى، حتى نصلَ إلى إجابةٍ مؤلمة، تهزُّ كياننا ووجداننا. لقد أصبحَت الموسيقى يتيمة في روحها، بعدما تعدَّى عليها متطفلون، وأثقلوها بتفاهةِ الكلام وشبهِ النغم. نسألُ أنفسنا دائماً عن العصرِ الذهبي للموسيقى العربية، وما بقيَ منه من نتاجٍ كبيرٍ وإرثٍ ثقافي تتناقله الأجيال. وفي الواقع، ما تركه روَّاد ذلك العصر هو الزاد الذي بقيَ لنا، وهو الملجأ الذي نعودُ إليهِ لإغناء ذاتنا.

حتماً، فإنَّ عودة فيروز في اليوم العالمي للموسيقى، هيَ بمثابة جرعة أملٍ كبيرةٍ، لمن تذوق النغم وتألق بروعته. هي رسالةٌ إلى العالم، أنَّ الفن الأصيل لا يموت، وأنَّ إرث عاصي الرحباني سيبقى مع الزمنِ بصوتِ فيروز . ستكون العودةُ بمثابةِ تأكيدٍ على أنَّ النغمَ سيبقى وديعاً، ورناتُ العودِ عادت إلى أصالتها، وبحَّةُ الناي استعادت مجدها.

في اليوم العالمي للموسيقى، سيبقى الإرثُ الفني حاضراً في ذاكرتنا ومكتبتنا الفكرية والثقافية، سيتجدَّد العهد للحفاظ على هذا الإرثِ الراقي من كلِّ مدخلاتٍ بالية. ستبقى فيروز ذلك الكوكب الدُّرُّيُّ في الأفقِ.. سيبقى بزقُ عاصي الرحباني يرنُّ في بالِ الأنسِ حتى الأزل، لأنَّ معذِّبتَه عادت في غيهب الغسقِ. فيا عاصي، أنتَ في بال فيروزَ دائماً، وفي اليوم العالمي للموسيقى نعاهدك بأنَّ النغم سيبقى أصيلاً ولن يعرِف الإنحراف. سلامٌ سلامٌ إلى جهابذةِ الفن، والكلام في حضرةِ الإبداع الذي لا تختصرهُ المعاني... وكفى!