أطراف الحرب السورية على قناعة واحدة بأن نيران واشنطن في سوريا لم تعد صديقة
 

قرار واشنطن إسقاط طائرة حربية تابعة لنظام الأسد كانت تقوم بمهام قتالية شرق سوريا ضد مواقع تابعة للقوات الكردية التي تعتمد عليها في معركة تحرير الرقة٬ إشارة
واضحة لمن يهمه الأمر في سوريا والمنطقة بأن قواعد الاشتباك السابقة لم تعد ثابتة٬ وبأن قرار واشنطن التدخل المباشر للدفاع عن حلفائها من الممكن أن يتسبب في المرحلة
المقبلة بتغيرات ميدانية وسياسية٬ قد تطيح أغلب التفاهمات التي جرت منذ قرابة سنتين بينها وبين موسكو٬ حيث راهنت الأخيرة على أن واشنطن المنشغلة بترتيب مؤسساتها
الحاكمة٬ لن توسع تدخلها المباشر ضد حلفاء موسكو خارج حدود التنف٬ عندما قامت قوات موالية للأسد وميليشيات إيران بتجاوز الخطوط الحمراء المتفق عليها بين
العاصمتين٬ ما اضطر واشنطن حينها إلى تدميرها تحت ذريعة الدفاع عن النفس٬ إلا أن الخطوة الأميركية بإسقاط طائرة حربية تابعة للأسد تتجاوز مبدأ الدفاع عن النفس
وتمهد لتعامل أميركي جديد في الصراع السوري ليس بالضرورة في المدى المنظور٬ قائم على معادلة جديدة تفيد بأن النشاط العسكري الأميركي في سوريا لم يعد محصورا
في محاربة «داعش» فقط إذا استلزم الأمر٬ وهي رسالة لم تكن ترغب طهران وموسكو بسماعها٬ أن الإدارة الجديدة لن تدير ظهرها لحلفائها على الأرض كما فعلت الإدارة
السابقة مع فصائل المعارضة المسلحة التي تحارب الأسد والتي أصيبت بانتكاسات ميدانية كبيرة٬ جراء انخفاض مستوى الدعم السياسي والعسكري لها٬ ما مهد الطريق أمام
إلى ما تم تحقيقه من موسكو وطهران لقلب موازين القوة لصالحهما٬ الأمر الذي مكنهما من طرح شروطهما السياسية للحل بعيداً عن كل المقررات الدولية٬ وذلك استناداً
انتصارات عسكرية.
شبه اليقظة الأميركية المتأخرة في سوريا دفاعا عن مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط٬ وقرار الإدارة الجديدة المربك في توسيع انخراطها الميداني٬ بالتزامن
مع انطلاق عمليات تحرير الرقة بغطاء جوي من قوات التحالف وبحضور أميركي على الأرض٬ بدأ يتوسع باتجاهات كثيرة من التنف إلى البادية نحو دير الزور في محاولة
أميركية لقلب المعادلة في شرق سوريا بوجه موسكو وطهران المندفعتين بقوة من أجل الالتفاف على واشنطن وعرقلة تقدم حلفائها في الرقة والسيطرة على البادية من أجل
قطع طريق دير الزور عليها٬ مقامرة إيرانية روسية غير محسوبة قد تتسبب بصدام مباشر مع واشنطن٬ إذا أصرتا على تحدي الإرادة الأميركية العازمة على تحقيق انتصار
معنوي في الرقة وجيوسياسي في دير الزور٬ حيث تراهن واشنطن على أن انتصارها في شرق سوريا سيقلب موازين القوة من جديد ويحولها إلى الطرف الأقوى في
المعادلة السورية٬ ولتحقيق ذلك هي مجبرة الآن على الحفاظ على هدنة طويلة في درعا أو مساندة الجيش الحر بفعالية إذا فشلت الهدنة٬ في حال قررت أن تكون مناطق
جنوب سوريا جزءا من مشروعها الاستراتيجي القادم والذي يهدف إلى تقويض الدور الإيراني والضغط على موسكو من أجل تغيير سلوكها.
ٍر بقوة فوق الجغرافيا السورية٬ بدأته موسكو التي أجرت عدة اختبارات مباشرة هدفها قياس ردة الفعل الأميركية تجاه أي تطورات
وعليه يمكن القول: إن حوارا بالنار جا ميدانية تحاول ميليشيات النظام٬ بمساندة الميليشيات الإيرانية وبغطاء جوي روسي فرضها من جنوب سوريا حتى شرقها٬ لذلك من الممكن توصيف أغلب ما جرى ميدانيا في
الأسابيع الأخيرة بين القوات الأميركية وبين قوات الأسد والميليشيات الإيرانية بالاحتكاك المدروس٬ ومن غير المستبعد أن تؤسس هذه الاحتكاكات في المستقبل القريب إلى
مواجهة مباشرة بين وكلاء الطرفين٬ خصوصا أنهما أصبحا وجها لوجه في أكثر من جبهة٬ حيث يحشد الجنرال قاسم سليماني ميليشياته باتجاه درعا ودير الزور ودفعت
موسكو ما تبقى من جيش الأسد باتجاه الرقة٬ فيما المعضلة الأميركية مستمرة في صعوبة تغطية الميدان السوري بسبب اتكالها فقط على الميليشيات الكردية التي أبدى قائدها
صالح مسلم استعداده لمواجهة الميليشيات العراقية الإيرانية واللبنانية في كل مكان٬ وفقا لما سربته مجلة «دير شبيغل» الألمانية٬ وهو الأمر الذي يفسر دفع موسكو لسلاح
الجو الأسدي إلى القيام بضرب أهداف عسكرية كردية٬ وغمز الدبلوماسية الروسية من قناة الأكراد ومشاريعهم الانفصالية٬ والدعوة إلى التمسك بوحدة التراب السوري.
بانتظار أن تحسم واشنطن خياراتها المتأرجحة بين الدعوة إلى فك الارتباط مع موسكو٬ وبين الدعوة إلى تجنبها واعتماد مواجهة شاملة مع طهران وجزئية مع الأسد٬ تجمع
هذه الأطراف على قناعة واحدة بأن نيران واشنطن في سوريا لم تعد صديقة.