هل يأتي من يهدر دم الشيخ ياسر عودة في خضم السجالات القائمة؟
 

مع تجاوز ما يمكن أن يكون "الشطط" قد بلغ مبلغه من الشيخ ياسر عودة حتى يجترأ على مؤسسات دينية شيعية راسخة وينال من هيبتها، ويحاول على خُطى الراحل السيد محسن الأمين أن يُحرّك مياهاً راكدة منذ قرون، فهو أدخل نفسه ومكانته مداخل موحشة، فما يحاول الشيخ عودة أن يُعالجه في أيامنا الغبراء هذه، إنّما يدخل في ما لا "يُمكن التفكير فيه" حسب مفاهيم الراحل محمد أركون، الذي كان يرى في نطاق الفكر، ما هو "مستحيل التفكير فيه" كمسائل حقوق الإنسان في عهود العبودية والقنانة، وما لا يمكن التفكير فيه، كالتجريح بالرموز الدينية المقدّسة والنيل من هيبتها وهدم أمجادها، أو الجراءة على حُرّاس "الأرثوذكسة" أو موظّفو التقديس  les gestionaires du sacre' في عهود الجمود والتّخلّف والتقليد والانحطاط.

إقرأ أيضًا: الشيخ ياسر عودة على درب السيد محسن الأمين... سُباب وشتائم
ومع تصاعد الحملة ضد الشيخ عودة، ووضعه في مصاف الروائي سلمان رشدي المهدور دمه بفتوى الراحل الإمام الخميني، واتهامه صراحة بالنيل من عصمة النبي محمد وعلوّ مقامه في الدنيا والآخرة (رغم نفي الشيخ هذه التهمة الخطرة)، فقد يتطوع من يتقدّم لقتل الشيخ (لا سمح الله) طالما أنّ الفتوى القاضية بقتل رشدي ما زالت قائمة (وربما الجائزة على ذلك)، ولن يجد عندها الشيخ "الضال" مقاماً دينياً يعصم دمه  كما فعل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، فقد كان ينظر (أي يحكم) فيما بين رجلٍ من قريش وأهل بيتٍ من المهاجرين بالمدينة ليسوا من قريش؛ فقالوا لأبي جعفر: اجعل بيننا وبينه ابن أبي ذئب (من بني عامر بن لؤي)، فقال أبو جعفر لابن أبي ذئب: ما تقول في بني فلان؟ قال: أشرار من بيت أشرار. قالوا: اسألهُ يا أمير المؤمنين عن الحسن بن زيد، وكان عامله على المدينة. قال: ما تقول في الحسن بن زيد؟ قال: يأخذ بالإحنة ويقضي بالهوى. فقال الحسن: يا أمير المؤمنين، والله لو سألتهُ عن نفسك لرماك بداهية أو وصفك بشرّ، قال: ما تقول فيّ؟ قال: اعفني. قال: لا بُدّ أن تقول. قال: لا تعدلُ في الرّعية، ولا تقسم بالسّويّة.. فتغيّر وجه أبي جعفر. فقال إبراهيم بن يحي ابن محمد بن علي صاحب الموصل: طهّرني بدمه يا أمير المؤمنين. قال أبو جعفر: اقعد يا بنيّ، فليس في دم رجلٍ يشهد أن لا إله إلاّ الله طهور، قال الراوي: ثمّ تدارك ابن أبي ذئب الكلام فقال: يا أمير المؤمنين دعنا ممّا نحن فيه؛ بلغني أنّ لك ابناً صالحاً بالعراق، يعني المهدي، قال: أمّا إنّك قلت ذلك، إنّه الصّوام القوّام البعيد ما بين الطرفين (بعيد الطرفين: كناية عن شرف النّسب). قال: ثم قام ابنُ أبي ذئب فخرج، فقال أبو جعفر: أمّا والله ما هو بمُستوثق العقل، ولقد قال بذات نفسه.
ربما لن تجد اليوم يا شيخ ياسر  حليماً كالمنصور لا يرى في دم من يشهد أن لا إله إلاّ الله طهور، أو يجد لك عذراً باعتبارك غير مُستوثق العقل، (أي كامل العقل)، وأنّك إنّما تقول بذات نفسك، فحذار، لئلاّ تكون فتنةٌ مُضافة إلى الفتن التي تملأ الرحب اليوم.