من الغلو أن نقول بأننا نريد أن نبني دولة القرآن إستنادا إلى علومه
 

س - هل القرآن هو مصدر المعرفة أم إنه مصدر من مصادر المعرفة ؟
ج - مما لا شك فيه أن القرآن الكريم مصدر من مصادر المعرفة وليس هو مصدر المعرفة وهذه المعادلة من البديهيات عند أهل المعرفة علماء العقيدة والشريعة والفلسفة والحكمة إلا أنه يوجد طائفة من الدينيين والحزبيين الإسلاميين المُغالين الذين يُحَمِّلون القرآن أفكاراً ومفاهيم ونظريات لا يحملها القرآن مطلقاً في مفاهيم نصوصه وفق فنون لغة القرآن العربية ويصفونه بأوصاف ليس له صلة بها كقولهم بأنه كتاب سياسي وإقتصادي وفلكي وقضائي وبيئي و و و و إلخ لكي يجعلوا القرآن مصدر معرفة لكل علم من علوم الحياة الإنسانية والكونية ؟!

إقرأ أيضا : لماذا نحفظ القرآن، مع أنّ آياته تدعونا لغير ذلك؟
وإن الغُلُوَّ في القرآن الكريم هو قبيح وحرام تماما كالإنتقاص من شأن علومه في مجال العقيدة والشريعة والأخلاق والتاريخ ؛ كما أن الغلو في النبي (ص) والأئمة من أهل بيته الأطهار هو قبيح وحرام حرمة عظيمة بل لا حرمة أعظم منها هذا الغلو هو حرام وقبيح كحرمة الإنتقاص من شأنهم العظيم عند الله بوصفهم عباداً  لله إصطفاهم بالعلم والحكمة والتقوى والعدالة  ولقد أصاب كبد الحقيقة من قال: "إن الغلو بالشيء يعادل الإنتقاص منه "وإن المتطرف بشيء هو كالخائن له إن الغلو لا يصح إلا في توصيف ومدح الله جل جلاله .
وتمرير الغلو بالنبي والأئمة بتبرير أن ذلك كله يحصل بإذن الله فهذا لا يمر إلا على السطحيين الساذجين العاطفيين الذين إتخذوا قرارا مسبقا في حياتهم أن يعطلوا عقولهم ويتكلوا  على التقليد في كل مسألة من مسائل الدين والسياسة والتاريخ والعقيدة والواقع ؟!

إقرأ أيضا : مأزق التفكير الديني اليوم
وبناء على هذه المقدمة سؤال يطرح نفسه بقوة يردده الدينييون والحزبيون الإسلاميون المغالون في توصيف القرآن الكريم ويضللون به المسلمين  السطحيين ضعفاء المعرفة والسؤال هو :
ماذا يقصد الله بقوله تعالى :
{ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } ؟
ج - لقد وصف الله تعالى ملكة سبأ بقوله سبحانه 
{ إني وجدت امرأة تملكهم وأُتيت من كل شيء ولها عرش عظيم } 
فهل ملكة سبأ أُوتيت من كل شيء في هذه الدنيا حقيقة وواقعاً ؟
وهل القرآن الكريم فيه تبيان لكل شيء في هذه الدنيا حقيقة وواقعاً ؟
أم إن عبارة ( كل شيء )  في الآيتين ما هي إلا عبارة مجازية لا حقيقية ورمزية لا واقعية ؟

إقرأ أيضا : حقائق قرآنية منسوخة بإجتهادات وروايات عجيبة
ج - مما لا شك فيه عند  علماء التفسير وفقهاء الشريعة وأرباب اللغة العربية أن عبارة ( كل شيء ) في الآيتين لم يستعملها الله تعالى إلا على نحو المجاز لا الحقيقة وعلى نحو الرمزية لا الواقعية وذلك للدلالة على الملك العظيم لملكة سبأ وللدلالة على المعرفة الدينية العظيمة التي إمتاز بها القرآن الكريم وتأكيدا لهذه البديهة الواضحة قال العلامة السيد الطباطبائي الشهير في تفسيره " بأن المقصود من الآية في قوله تعالى { فيه أي في القرآن تبيان لكل شيء } المقصود فيه تبيان كل ما يرجع إلى أمر الهداية مما يحتاج إليه الناس في إهتدائهم من المعارف الحقيقية  المتعلقة بالمبدأ والميعاد والأخلاق الفاضلة والشرائع الإلهية والقصص والمواعظ فهو تبيان لذلك كله " إنتهى كلامه .
فلا يوجد في القرآن علوم سياسية ولا إقتصادية ولا طبية ولا هندسية ولا قضائية ولا عسكرية ولا أمنية ولا رياضية وإن كان فيه بعض المعادلات المحدودة جدا جدا  وإن كان فيه شيء من الأمور العلمية  فقد وردت على نحو الإشارات الخاطفة بعبارة أخرى إن الله تعالى لم يُنزل القرآن لكي يكون مرجعية للمسلمين لأجل أن يبنوا بعلومه  دولة فمن الغلو أن نقول بأننا نريد أن نبني دولة القرآن إستنادا إلى علومه.