ما هي الازمات التي تفتك بالمجتمع اللبناني؟
 

أولاً: معضلة الطائفية المزمنة...
لطالما كانت التناقضات الطائفية والتباينات المذهبية هي العائق الأساسي أمام قيام نظام سياسي لبناني ينصهر في بوتقته جميع المواطنين، متساوين في الحقوق والواجبات كما نصّ على ذلك الدستور. وإذ كانت هذه التناقضات تخفُت وتحتدّ عند منعطفات حرجة، إلاّ أنّها ظلّت ضمن ظوابطها المختلفة، مُحافظة على الكيان والنظام بفضل العديد من القادة الوطنيين الذين انصرفوا للاهتمام بسلامة الوطن وسيادته ومصالحه العليا، على حساب الطائفية والمذهبية، وسياسات الارتهان للغرب أو للشرق، وللأسف، يبدو أنّ هذا الصنف من القادة قد انقرضوا اليوم ،إلاّ ما رحم ربُّك.
ثانياً: جذور الإصلاح والشهابية ...

إقرا أيضا: الأنظمة الهجينة في المشرق العربي... لبنان في الطليعة

كان الرئيس الراحل فؤاد شهاب قد وعى أهمّية تدعيم الوحدة الوطنية بين مختلف الطوائف اللبنانية، مترافقاً ذلك مع حاجة لبنان الماسّة للإصلاح الإداري، وذلك للحدّ من هيمنة رجال السياسة على الإدارة وتسخيرها لمصالحهم الشخصية، فدشّن عهده عام ١٩٥٨ بإجراء إصلاح جادّ وفاعل، فأصبح ديوان الرئاسة ،ولأول مرّة، دائرة منظّمة يجري فيها العمل وفق نهج إداري قويم، وتمّ إنشاء مجلس الخدمة المدنية المرتبط بديوان رئيس مجلس الوزراء، مهمّته اختيار الموظفين وتدريبهم، للحدّ من نفوذ السياسيّين في التعيينات الحكومية، وتمّ إنشاء مجلس للتفتيش المركزي، والتفتيش المالي والقضائي، وهيئة خاصة لإدارة المناقصات، وديوان المحاسبة العمومية، واليوم، وبفضل هذه الطبقة السياسية المبتلى اللبنانيون بها  ،تمّ تعطيل جميع هذه المؤسسات الإدارية لصالح الاستبداد والفساد ونهب المال العام.
ثالثاً: الفساد، أهمّ أعمدة النظام القائم...

إقرا أيضا: وزير الخارجية القائم بحقوق المسيحيين؛ القوى الفاعلة والقوى الارتكاسية

من المفارقات العجيبة أنّ الفساد المستشري في الإدارات والمؤسسات العامة، هو الذي يُؤمّن للنظام الطائفي حصانة كاملة يعتاش عليها، ويُوزّع خيراتها على أنصاره وأتباعه ومافياته، فهو لم يترك مرفقاً أو مؤسسة أو مجالاً إلاّ واخترقه، من أبرزها، ذلك أنّها عصيّة على الحصر: المرفأ والمطار والطاقة، الأملاك البحرية والمشاعات، النفايات والصفقات بالتراضي بعيداً عن لجنة المناقصات وأعيُن الرقابة المالية، كل ذلك عبر شبكات باتت مُنظّمة ومهنية، وهي أقرب ما تكون إلى عمل المافيات والعصابات، وقد تحوّل جلاوزتها وحُماتُها إلى أشدّ المدافعين صلابةً عن النظام، ولعل الاعتداء بالأمس على المتظاهرين ضد التمديد للمجلس النيابي، يعطي إشارة واضحة لما ينتظر كل من تُسوّل له نفسه تنظيم احتجاجات شعبية مناوئة للتّسلّط السياسي والفساد.
رابعاً: السلاح المنظّم والفالت...
ثالثة الاثافي والداهية الدهماء، السلاح المنظّم والمُشرعن، والذي يقتات من رحم الدولة، وإذ اعتاد اللبنانيون عليه ، هاهو يُخلّف وراءه وأمامه السلاح الفالت والعشوائي بين أيدي العصابات والمافيات وتجار المخدرات، ومُروجي الدعارة والتهريب والاتجار بالبشر، لينضمّ بعد ذلك إلى الطائفية والفساد، فيُشكّل الثالوث غير المُقدّس والمُطبق على رقاب اللبنانيين، والصابرين دائماً وأبداً.