إذا كان لا يمكن منذ الآن توقّع مسار المعارك الانتخابية وفق القانون النسبي، فإنّ نظرةً الى القانون تتيح بعض الاستنتاجات الأوّلية، التي لا بد من التوقف عندها، مع دفن القانون الأكثري، ويمكن تلخيص هذه الاستنتاجات بالآتي
 

أولاً، خرج «حزب الله» بعد إقرار القانون بمثل ما كان يخرج بعد تشكيل حكومات ما بعد السابع من أيار، فالحزب لم يصَب ولن يُصاب بأيّ تفتّت في كتلته النيابية وكتلة حليفته حركة «أمل»، لا بل إنه سيضيف اليها عدداً لا بأس به من المقاعد في كل الطوائف، وسيؤمّن توازناً يكفل توزيعاً عادلاً بين حلفائه في الوسط المسيحي («المردة» و«التيار الوطني الحر») وسيخرج من الانتخابات قوة مسيطرة نيابياً، ما سيعزّز من ورقة الشرعية التي يسعى عبرها الى تغطية سلاحه، والى تأمين دفاعات في وجه العقوبات التي ستُفرض عليه دولياً وعربياً.

ثانياً، في المقايضة بين قانون انتخابي يعيد قوة كتلة «المستقبل»، واستمرار التسوية التي تتيح تولّي رئاسة الحكومة، فضّل الرئيس سعد الحريري الخيار الثاني، الذي يعني وباعترافه تقليص الحجم النيابي لتيار «المستقبل» وحلفائه، وقد أدّت استراتيجية الحريري في التفاوض على قانون الانتخاب الى الخيار الأخير المتمثل بالقبول بالنسبية، ولا يخفي الحريري الاعتراف ضمناً بأنّ القانون الحالي هو في مصلحة «حزب الله» لكنه يلقي اللوم على بعض الاطراف ومن ضمنهم حلفاء له، لأنهم حشروه في زاوية النسبية، وهو يعوّل على استمرار تحالفه مع «التيار الوطني الحر» والرئيس ميشال عون، الذي سيترجَم على شكل حكومة يترأسها أيّاً كانت نتيجة الانتخابات النيابية، وأيّاً كان عدد المقاعد التي ستخسرها كتلته النيابية.

ثالثاً، في استعراض النتائج المسيحية للقانون النسبي، يمكن القول إنّ «القوات اللبنانية» حققت جزءاً من اهدافها حيث احتفظت بخياراتها مفتوحة في كل الدوائر، بدءاً من التحالف مع «التيار الوطني الحر»، مروراً بتشكيل لوائح منفردة مع مستقلّين وصولاً الى تشكيل لوائح مواجِهة لـ«التيار».

وتكتسب الدوائر المسيحية في جبل لبنان أهمية كبرى، كذلك في بيروت والبقاع وجزين، لكنّ «الدائرة الملك» التي ستحدّد خريطة التوازنات الجديدة ستكون الدائرة المسيحية في الشمال، التي يتنافس فيها ثلاثة مرشحين لرئاسة الجمهورية (جعجع، باسيل، فرنجية).

وتكتسب الانتخابات في هذه الدائرة بُعداً مهماً، ولكل احتمال نتائجه. ففي حال تحالف «القوات» و«التيار»، فذلك سيرسم ملامحَ لائحتين ثانية وثالثة، واحدة مؤلّفة من «المردة» والنائب بطرس حرب والحزب السوري القومي الاجتماعي، وربما النائب فريد مكاري، وثالثة مكوَّنة من حزب الكتائب والمستقلين والمجتمع المدني، علماً أنّ الصوت السنّي في هذه الدائرة مؤثر، يحرّكه الحريري واللواء أشرف ريفي الذي يتواصل في هذه المنطقة مع رموز المجتمع المدني في الأقضية الأربعة.

رابعاً، في استعراض التأثير الذي سيُحدِثه القانون على القوى المستقلة، والخارجة عن الأحزاب التقليدية والعائلات، يمكن القول إنّ القانون «المفخَّخ» بالصوت التفضيلي على أساس القضاء، لن يعوق إمكانية خوض معارك جدّية في كل الدوائر، ولكن، لهذه المعارك شروطها وعناصر نجاحها التي تبدأ من توحيد المعارضين لكي ينتقلوا الى مرحلة المعارضة الموحّدة الفاعلة التي تطرح برنامجَ إصلاح وطني، يمكن من خلاله مخاطبة الناخب اللبناني في كل البيئات المناطقية والطائفية، وقد بدأت بالفعل إتصالات بين معارضين لبلورة تصوّر أوّلي للمشاركة في الانتخابات بصيغةٍ تجمع المعارضين وقوى المجتمع المدني، ومن الآن والى موعد إجراء الانتخابات تكون الصورة قد تبلورت بما يتعلّق بخريطة التحالفات، حيث يُتوقّع أن تدور معارك انتخابية حقيقية في كل الدوائر، حتى بما فيها دوائر الثنائية الشيعية، التي سيكون من الصعب اختراقها.