بعد إقرار القانون النسبي، إنصرف كلُّ فريقٍ سياسي الى إجراء حساباته الإنتخابية، ومحاولةِ الحفاظ على حجمه في مجلس النواب أو زيادته، في حين روّج كثيرون أنّ تيار «المستقبل» سيكون أكبرَ الخاسرين، خصوصاً على صعيد النوّاب السنّة.
 

لم تعرف الساحة السنّية تاريخياً نشوءَ أحزابٍ عابرة للمناطق، حيث كانت هناك زعاماتٌ مناطقية تتنافس في ما بينها للوصول الى رئاسة الحكومة، ومن أبرز تلك الزعامات آل سلام والصلح في بيروت، آل كرامي في طرابلس، آل سعد في صيدا، إضافة الى عدد من الأسماء في مناطق مختلفة.

شكّل دخولُ الرئيس رفيق الحريري الساحة السياسية بعد توقيع «إتفاق الطائف» ضربةً للبيوتات السياسية السنّية في بيروت، من ثمّ إستُكمل هذا الأمر لاحقاً وبلغ الذروة بعد إستشهاده حيث بات تيارُ «المستقبل» القوة السنّية الأولى العابرة للمناطق وتمتدّ شعبيته من شبعا وصولاً الى وادي خالد.

ووسط الحديث عن تراجع قوته في الشارع السنّي نتيجة إبعاد الرئيس سعد الحريري من الحكم ولبنان عام 2011، يؤكد كثيرون أنّ «المستقبل» لا يزال القوة الأولى سنّياً نظراً لعوامل عدة أبرزها أنه الوريثُ الوحيد لخطّ رفيق الحريري، كما أنه موجود في السلطة حيث إنّ رئيسَه رئيسٌ للحكومة والناسُ تلقائياً تؤيّد مَن في السلطة، أما السبب المهمّ أيضاً فهو عدم قدرة معارِضي «المستقبل» على تشكيل جبهة موحّدة ضده، لأنّ حجم الخلافات بينهم كبير جداً، فعلى سبيل المثال، لا يمكن جمع الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرَين السابقين أشرف ريفي وعبد الرحيم مراد في حِلفٍ واحد تحت عناوين سياسيّة مشترَكة.

من جهة ثانية، وعلى رغم إنفراد «المستقبل» بالتمثيل السنّي بعد العام 2005، إلّا أنّ ذلك لم يُترجَم على مستوى كتلته النيابية، لانّها تتألّف في جزءٍ كبيرٍ منها من نواب مسيحيين وشيعة.

يملك السنّة في المجلس النيابي 27 نائباً، بينهم 17 نائباً في كتلة «المستقبل»، إضافة إلى 10 نواب يتوزّعون على الحلفاء والخصوم.

البدايةُ من الجنوب حيث هناك 3 نواب سنّة، إثنان في صيدا ذات الرمزيّة المهمّة للحريري، وواحد في دائرة مرجعيون- حاصبيا، ويُتوقع أن يحافظ «المستقبل» على نائبَي صيدا نظراً لإمتلاكه فائضاً من الأصوات التفضيلية، من دون أن يُسقط من حساباته إمكانَ خرق النائب السابق أسامة سعد، رغم أنّ ضمّ صيدا الى جزين في دائرة واحدة كان هدفه الحفاظ على وضعيّة «المستقبل» فيها.

أما المقعد السنّي الثالث في مرجعيون- حاصبيا الذي يشغله نائبُ حزب البعث العربي الإشتراكي قاسم هاشم، فيتوقّع المراقبون أن يستطيع «المستقبل» الفوز به لأنّ شبعا والعرقوب والجوار تضمّ نحو 27 ألف ناخب سنّي سيصبّون في معظمهم لمصلحة «المستقبل» وبذلك يكون إستعاد أحد النواب السنّة.

في البقاع، لم تكن هناك أيّ مشكلة بالنسبة الى مقعدَي البقاع الغربي السنّيين ومقعد زحلة، على رغم إمكانية مراد الكبيرة في تحقيق خرق. لكنّ القانون النسبي سيسمح لتيار «المستقبل» بالتعويض في دائرة بعلبك - الهرمل حيث هناك مقعدان سنّيان كانا من نصيب كتلة «الوفاء للمقاومة».

فهذه الدائرة التي تضمّ عرسال تتألّف من نحو 40 ألف ناخب سنّي، وإذا تمّ تأليف لائحة بالتحالف مع «القوات اللبنانية» وبعض العائلات الشيعية والمستقلّين فإنّ الخرق سيكون أكيداً حيث يتوقع البعض أن تُخرَق لائحةُ الثنائي الشيعي بمقعد سنّي ومسيحي وشيعي.

بالانتقال الى بيروت، هناك 6 مقاعد سنّية، موجودة كلها في الدائرة الثانية، ولم يستأثر «المستقبل» بها في إنتخابات العام 2009، بل تحالف مع نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت والرئيس تمام سلام الذي أعاده الى الندوة النيابية.

وفي حال قرّر «المستقبل» تأليفَ لائحة لوحده فإنه يملك قوةً ًتجييرية كبيرة في هذه الدائرة المؤلّفة من 11 مقعداً تسمح له بحصد غالبية المقاعد السنّية، شرط إدارة المعركة جيّداً وتقسيم الأصوات التفضيلية.

إلى ذلك، يملك تيار «المستقبل» قوّةً تجييريّة في الشوف حيث هناك مقعدان سنّيان و60 ألف ناخب معظمهم في إقليم الخرّوب، ونتيجة الحلف السابق بين الحريري والنائب وليد جنبلاط كان يحظى كل طرفٍ بنائبٍ سنّي هما حالياً محمّد الحجّار وعلاء الدين ترّو، لكنّ المفاجأة تمثلت في التراشق الكلامي بين الطرفين وقول الحريري لجنبلاط «بلّط للبحر»، وبالتالي فإنّ همّ الحزب التقدمي الإشتراكي سينصبّ أولاً على إنجاح النواب الدروز ومن ثمّ التفكير في حلفائه، لذلك، فإنّ أيَّ حلف بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ» قد يمكّنه من إستعادة المقعدَين بفعل الأصوات التفضيلية، مع العلم أنّ «الإشتراكي» يملك قاعدةً تاريخيةً في الإقليم لا يُستهان بها.

أمّا المعركة الأكبر، فستشهدُها ساحةُ الشمال حيث التجمّع السنّي الأكبر وتصاعد نجم ريفي ومحاولة الزعامات الطرابلسيّة إستعادةَ دورها.
يضمّ الشمال 11 مقعداً سنّياً موزّعة على أساس 5 طرابلس، 3 المنية الضنية، و3 عكار.

ولـ«المستقبل» في طرابلس مقعدان فقط هما الوزير محمد كبارة والنائب سمير الجسر، فيما يشغل المقاعد السنّية الأخرى ميقاتي والنائبان محمد الصفدي وأحمد كرامي، وبالتالي إذا حصد «المستقبل» مع حليفه الصفدي 50 في المئة من الأصوات فقط فإنه سيفوز بـ4 نواب من طرابلس غالبيتهم سنّة ويمكن أن يكونوا أيضاً من بقية الطوائف فيما تُظهر الإحصاءات تفوّقَه في المنية - الضنية.

ولا يواجه «المستقبل» أيَّ مشكلة تُذكر في عكار لأنّ الجوّ العام ما زال مؤيّداً له على رغم محاولة ريفي التمدد، ومحاولة المعارضة السنّية القريبة من «8 آذار» العودة مجدداً، ففي هذه الدائرة هناك نحو 200 ألف ناخب سنّي يختارون 3 نواب سنّة فقط، أي أنّ هناك فائضاً كبيراً في الأصوات السنّية التفضيلية، في حين أنه لم يبرز أيُّ نجم عكاري ينافس الحريري مثل طرابلس، مع أنّ حالة النائب خالد الضاهر تبقى جديرةً بالمتابعة.

إذاً، يواجه الحريري تحدّي حصد أكبر عدد من النواب السنّة، في حين بات معلوماً أنه سيخسر عدداً كبيراً من النواب المسيحيين، لكن يبقى السؤال هل ستتكرّر تجربة طرابلس البلدية؟ وهل ستتوحّد المعارضة في وجهه على إختلاف إنتماءاتها السياسية وتصوغ تحالفات إنتخابية؟