لا سلم لا حرب لا إستقرار.. هذا هو المناخ الذي يسيطر على البلد، والشعب اللبناني يعيش أسير هذه اللاءات. 
وإذا كان اللبنانيون يراهنون على المظلة الدولية والإقليمية التي تحول دون إنزلاق البلد نحو حروب أهلية إلا أنه وبنفس المقدار هناك عدم إهتمام دولي وإقليمي بإستشراء الفساد في كافة مناحي الحياة اللبنانية وعلى كل المستويات بإعتبار أن محاربة هذه الآفة الخطيرة هي مسألة محض داخلية لبنانية وعلى عاتق الأطراف الممسكة بمفاصل السلطة تقع هذه المسؤولية وإعادة بث الحياة في مؤسسات الدولة لتقوم بواجباتها كي تستقيم الأمور بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ويأخذ كل ذي حق حقه. 
فهذا ما يأمله وما يطلبه المواطن اللبناني من حكامه لكن على أرض الواقع فالأمر يختلف اختلافًا كليًا مع هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي أطبقت على الدولة بكافة مؤسساتها ومفاصلها وأجهزتها وحولتها إلى مزارع تسرح وتمرح فيها وكأنها أملاك شخصية الأمر الذي أوصل الشعب اللبناني للشعور باليأس والقنوط والإحباط من إمكانية الإصلاح سيما وأن معظم القوى السياسية والحزبية التي أحكمت السيطرة على السلطة في البلد هي نفسها كانت في زمن الحروب الأهلية تقبع خلف المتاريس تزكي نيران المعارك وتتزين بلباس الميدان العسكري وتخوض الحروب في الشوارع والأحياء والأزقة. 

إقرأ أيضًا: هل تستطيع أميركا إخراج إيران من سوريا
ومن الطبيعي أن القوى التي خبرت لغة القتل والاغتيال والإجرام وألفت صوت الرصاص ودوي المدافع أن تجد صعوبة كبيرة في إتقان لغة السلم والأمن والإطمئنان والهدوء والإستقرار، فلم تستطع أن تنسجم مع أجواء السلام والعيش تحت سقف الدولة والتقيد بالأنظمة والقوانين وتذويب مصالحها الخاصة في مصلحة الدولة الشرعية ولم تنجح في إقامة الدولة الحرة المستقلة والقوية ذات السيادة على كافة أراضيها والتي تتمتع بإستقلال تام وبمنأى عن أي تدخلات وضغوط وتأثيرات خارجية، الدولة العادلة التي ترعى كافة فئات الشعب اللبناني على إختلاف انتماءاتهم السياسية والحزبية وتلاوينهم الطائفية والمذهبية دون اي تمييز بين فريق وآخر أو طائفة وأخرى، الدولة الواحدة التي لا يشاركها أي مكون سياسي أو حزبي في اتخاذ القرارات المصيرية و الصعبة، الدولة التي تحفظ وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، الدولة التي تعتمد سياسة الإنماء المتوازن بين مختلف المناطق اللبنانية دون تفضيل منطقة على أخرى، الدولة التي تتولى تنفيذ المشاريع الإنمائية الكبرى في الريف لخلق فرص عمل للشباب للحد من الهجرة إلى بلاد الإغتراب والحد من النزوح من الأرياف والقرى باتجاه المدينة والتخفيف من أحزمة البؤس التي تلف العاصمة بيروت، دولة توفر التعليم والاستشفاء والطبابة بعزة وكرامة ودون الحاجة إلى وساطة الزعماء، الدولة التي توفر الماء والكهرباء والاتصالات على مدار الساعة وبتكلفة لا ترهق المواطن، الدولة التي تحمي صيغة العيش المشترك والدستور والنظام، الدولة التي تعالج أزمات ومشاكل البلد ولا تقف عاجزة عن إيجاد حل لأي مشكلة كمشكلة النفايات التي تملأ الكثير من الشوارع والأحياء والأزقة في العاصمة وبعض المدن والبلدات، والدولة التي تعالج مشاكل البيئة الناتجة عن جشع بعض المستثمرين لمشاريع ومصانع دون مراعاة لصحة المواطن. الدولة التي تحمي أمن الناس واستقرارهم بتفعيل عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية لملاحقة الخارجين على القوانين والعابثين بأمن الوطن والمتاجرين بلقمة عيش المواطن، الدولة التي تسهر على راحة شعبها. 

إقرأ أيضًا: الأمن قرار و إرادة
فهذه هي الدولة التي يريدها الشعب اللبناني لا دولة المزارع ولا دولة تقاسم المغانم ولا دولة الفساد والرشاوى والإستغلال والإحتكار، ولا يريد دولة عاجزة عن إيجاد قانون للإنتخابات النيابية وعاجزة عن فرض الأمن، ولا يريد الدولة التي لا تؤمن الحد الأدنى من الإستقرار تاركة الشعب يعيش في دوامة هذه اللاءات " لا سلم، لا حرب، لا استقرار ". 
وأخيرًا لا يريد الدولة التي تتركه يعيش في غابة فريسة للوحوش فيضطر بالنهاية أن يلجأ إلى إعتماد شريعة الغاب ليحمي نفسه بالوقوع أسير منطق الأمن الذاتي.