بدأت سكرة إقرار القانون بالتراجع، ليحلّ التفكير في النتائج التي ستحصدها القوى السياسية. ليست الاعتراضات على القانون الجديد، إلا دليلاً عن الوقوف أمام لحظة الاستحقاق، وتحسساً للخوف من إمكانية الخسارة. وحده حزب الله الرابح من القانون. وربما ليس من القانون فحسب، بل من الأداء السياسي في البلد، إذ إن الجميع دوماً يعودون إلى ما يكتبه الحزب. وها هو الرئيس سعد الحريري، يعتبر أنه بعد إقرار قانون الانتخاب لم يعد هناك أي مسألة خلافية في البلد. ويسجّل الممتعضون من الأداء السياسي للحريري ملاحظات على مواقفه، ويسألون "هل تفاهم الحريري مع حزب الله على سلاحه؟ ولم يعد من خلاف وطني حوله؟". ويشيرون إلى أن كل ما يجري، هو تنازل الحريري لمصلحة حزب الله، في سبيل الحفاظ على السلطة، لأن تيار المستقبل لا يمكنه العيش بعيداً من السلطة، والدليل سنوات الحريري في الخارج، التي أدت إلى ترهّل التيار، وبروز قيادات جديدة.

ربح حزب الله سياسياً وانتخابياً، فهو ضمن وصول كتل نيابية حليفة له من خارج الطائفة الشيعية. واستطاع من خلال هذا القانون، ضمان كتلة موازية لدى كل طائفة وإن كانت صغيرة. وظيفة هذه الكتلة توفير غطاء غير طائفي له، ولا تربط حصوله على هذا الغطاء بنسج تحالفات مع الخصوم. بعض حلفاء الحزب من السنّة سيدخلون الندوة البرلمانية، وهؤلاء سيدفعون الحريري إلى مزيد من التنازلات لمصلحة الحزب، لضمان وصوله مجدداً إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات.

في محاولة لاستشراف النتائج التي سيفرزها هذا القانون، والذي يصفه البعض بأنه هجين وخليط بين تناقضات، منها النسبي ومنها الأرثوذكسي ومنها الستين، تتكفل قراءة بسيطة بتوقع ما ستحققه الكتل من نتائج. واللافت أن الجميع سيحقق تراجعات، باستثناء حزب الله وحركة أمل.

ليس الأمر على ما يرام بالنسبة إلى تيار المستقبل. هناك تضارب في القراءات بين مسؤوليه، لاسيما العاملين على خطّ الأرقام والتقديرات الانتخابية. ومهما تضاربت مواقف هؤلاء، إلا أنهم يجمعون على أن كتلة المستقبل ستتآكل. المتحمسون لهذا القانون يعتبرون أن التيار سيحصل على 25 نائباً، بدلاً من 35. فيما الحذرون يعتبرون أنه في أحسن الأحوال، سيحصل المستقبل على 19 نائباً، وفي الأسوأ سيحصل على 16. في التقديرات الأولية لهؤلاء، فإن المستقبل سيخسر نائباً في كل من البقاع الغربي لمصلحة الوزير السابق عبدالرحيم مراد، وآخر في صيدا لمصلحة النائب السابق مصطفى سعد. وكذلك في المنية الضنية. في طرابلس سيخسر مقعداً من المحسوبين عليه، لمصلحة الوزير السابق أشرف ريفي. وفي عكار سيخسر نائباً على الأقل، لمصلحة تحالف ريفي خالد الضاهر. أما في بيروت الثالثة فقد يخسر المستقبل نائباً أو إثنين. هؤلاء من النواب السنّة فحسب. وهذا من دون الدخول في حسابات خسارة النواب المسيحيين لمصلحة التحالفات التي سينسجها مع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وأولى خسائره المسيحية تمثّلت بنقل المقعد الإنجيلي من بيروت الثالثة إلى الأولى.

ولكن، هناك داخل التيار من ينطلق من حسابات أخرى. ويعتبر هؤلاء أنهم سيحصلون على ما بين 24 و26 نائباً، مع تأكيدهم الحصول على أغلبية كبرى من النواب السنة، أي 18 نائباً من أصل 27، خصوصاً أنهم يراهون على الاستعاضة عن المقاعد التي سيخسرونها في بعض المناطق، بنائبين من السنّة في الجنوب بدلاً من النائب قاسم هاشم، وفي بعلبك الهرمل بدلاً من النائب الوليد سكرية. ويراهن هؤلاء على أن هذه السنة ستتغير المعطيات، وإعادة شد العصب السني. فيما لا يخفى خوف بعض الأقطاب المستقبليين من الترشح، في بيروت خصوصاً، وهم يدرسون خيار إمكانية عدم الترشّح، لاسيما في ظل الصوت التفضيلي. ووفق حساباتهم، إذا ما حصل الحريري على 50 ألف صوت مثلاً، فإن المرشّحين الآخرين على المقاعد السنيّة سيحصولن على ألفي صوت بالحد الأقصى. وبالتالي فإن خيار العزوف أفضل بالنسبة إليهم.

وفيما يراهن المستقبل على التحالف مع التيار الوطني والقوات، بالإضافة إلى التحالفات الموضعية مع حركة أمل وحزب الله، لأجل الحصول على الكتلة الأكبر، إلا أن بعض المعترضين يعتبرون أنه لا يمكن الرهان على التحالف مع باسيل، لأن المشكلة في الأساس ستكون على الساحة المسيحية، وأي تحالف مع باسيل، سينعكس سلباً على التحالف مع القوات. كما أن تحالف المستقبل مع التيار الوطني، سينعكس سلباً على العديد من حلفائه المسيحيين الآخرين. بالتالي، فإن المستقبل في وضع انتخابي لا يحسد عليه. لكن هذه الحسابات تختلف عن حسابات الحريري شخصياً، الذي يعتبر أنه همه ليس الكتلة الأكبر، بل كتلة وازنة تخوّله البقاء رئيساً للحكومة استناداً إلى التحالفات الكبرى التي أبرمها.