من القصص التي ترويها لنا العجائز في جلساتنا وسهراتنا، ولربما تكون غير مقبولة، إلاَّ أن التجربة تؤكد مقبوليتها، لأنَّ التجارب زيادة في التعقل والتبصر، ومن تلك المرويات وعلى ذمة العجائز من أنه لما مرض شيخ اللصوص وأحس بالموت، جمع لصوص الهيكل بجميع هياكله، ودعاهم إلى قراءة الفاتحة، وهو يردد بشفتيه العريضتين ويعبث بحنك عمامته، وبدأ بالوعظ وهو في سباته قائلاً الموت يا أحبائي قدرٌ محتومٌ وأنا وهن العظم مني واشتعل الرأس والعقل شيباً، والدنيا تمر مرَّ السحاب، فاغتنموا خير الثواب قبل فوات الآوان، ولهذا قررت أن أذهب إلى بيت الله لأغسل آثامي من أدران الشيطان، ولهذا أخاف عليكم التفرُّق من بعدي إن أدركني الأجل، لأنكم تعلمون يا سادة الرعية بدون راعٍ مثل الغنم من دون كلب – هكذا يقولون منذ القدم – فاختاروا من بينكم شيخاً أقلده مؤسسة الهيكل.. طرق الجميع رؤوسهم في الأرض وقالوا بصوتٍ خافتٍ يا ويلنا من بعدك.. إلاَّ أنه أصر أن يذهب إلى بيت الله وجدَّد القول إنتخبوا واحداً منكم، وبعد التداول والنقاش ولأنهم يؤمنون بالشورى وتعدد الآراء رأى كلٌ منهم هو من يصلح للقيادة، فبدأ الصراع بينهم بالتناوش والتهاوش حتى وصل الأمر بينهم بالتشابك والضرب بالأيدي،وعلت أصواتهم في مؤسسة الهيكل، حينها رأى كبيرهم الذي علَّمهم اللصوصية والسحر، فجمهر عليهم جمهرة كالأسد الهصور وهو يلعب بأطراف لحيته قائلاً يا سادة يا كرام المرء لا يعرف بعقله بقدر ما يعرف بعضلاته، ألم تقرؤوا في المرويات والأخبار من أنه لا بدَّ للسلطان من فقيهٍ يرشده ومن سفيهٍ يعضده.. لأن اللص يتكلم بعضلاته ويدعي الخرس بلسانه، فمن أراد أن يكون خليفتي فعليه أن يدخل إلى قصر السلطان – الديني – السياسي – لأن الدخول إلى القصر يحتاج إلى لصوصية وهذا أمرٌ يسهل عليكم وعلى أدمغتكم، وأنتم تعلمون كما قرأتم في التاريخ وتدركون جيداً من أنَّ الله عندما خلق الأبواب ابتكرت الشياطين واللصوص النوافذ، وأخذ الشيخ العجوز بوعظهم وإرشادهم إلى خير الدنيا والآخرة وزاد في خطبته قائلاً يا حراس الهيكل من لم يستطع أن يدخل إلى السلطان في ثياب لص، فوصيتي له أن يدخله في ثياب درويش الذي - لا يهش ولا ينش - وأنتم تدركون من أنَّ اللص فيكم، هو الذي يحسن من سمته وهديه، ويتواضع في منطقه وحركاته، يكون قد أحسن طمر الأفخاخ في الدين، حينها يختلي الناس بظاهركم، فإذا تمكنتم من الحرام فاقتحموه.. وختم الشيخ العجوز وصيته بقوله تعالى: وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً... صدق الله العظيم