إذا كانت الإدارة الأميركية تعمل على إخراج ايران من اللعبة في سوريا لكنها تدرك أن ذلك ليس بالأمر السهل ولا بد من الجدية والاستمرارية ويتطلب تضافر جهود حلفاء أميركا في المنطقة وانخراطهم ضمن الجهود الأميركية للتخلص من التهديد الإيراني
 

لم يعد خافيًا أن إيران إستفادت في السنوات الأخيرة من سياسة الإنكفاء الأميركي عن أزمات المنطقة العربية التي اعتمدتها الإدارة الأميركية خلال فترتي عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وقد إستغلت هذا التراجع الأميركي إلى آخر حدود الإستغلال وخصوصًا في السنوات الست الماضية فوسعت من إنخراطها في الحروب المشتعلة في العديد من الدول العربية منها سوريا والعراق واليمن سعيا لإيجاد موطىء قدم لها في هذه الساحات إنسجامًا مع النهج الإيراني القائم على مبدأ تصدير الثورة إلى خارج الحدود من خلال إنشاء ميليشيات وتنظيمات وأحزاب مسلحة في دول الجوار لتحريكها وفق ما تقتضيه المصالح الإيرانية ولأشعال الفتن وضرب الأمن والإستقرار وإثارة الأحقاد الطائفية والمذهبية خدمة للمشروع الإيراني.

إقرأ أيضًا:  رياح تعصف في صحراء الخليج
وقد إستطاعت إيران أن تصنع طوال السنوات الماضية بنية أمنية وعسكرية متكاملة في الدول التي دخلتها وخاصة في سوريا وإعتمدت أساليب وطرق كثيرة للتعامل مع المستجدات الطارئة ومع التطورات الميدانية وتمكنت من إنشاء مصانع للصواريخ الإيرانية في أماكن متفرقة على الأراضي السورية منها مصنع في حماة ومصنع في القلمون وغيرها كما أنها استقدمت عشرات الآلاف من العناصر المقاتلة من العراق وأفغانستان ولبنان وأنشأت منها ميليشيات مسلحة إضافة إلى الميليشيات التي صنعتها من العناصر المحلية لدرجة أنها لم تعد بحاجة لرفد هذه الميليشيات بعناصر جديدة على المدى القريب. 
إلا أنه مع الإدارة الأميركية الجديدة فإن إيران تدرك جيدًا أن هناك تحولًا أميركيًا في السياسة الخارجية وبرز ذلك التحول من خلال سلسلة الإجراءات والتصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي تشير بوضوح إلى الإندفاعة الأميركية باتجاه المنطقة وخصوصًا في سوريا بغية استعادة الدور في المنطقة وإدراج الحضور الأميركي في الميدان السوري. وذلك من خلال بناء المراكز والقواعد العسكرية والأمنية وتجهيز بعض القوات المحلية التي ستلقى على عاتقها مهمات السيطرة على الأرض وهذا  سيؤدي حتمًا إلى المواجهة المباشرة مع الوجود الإيراني وحلفائه. 

إقرأ أيضًا: هزيمة حزيران بداية الهزائم العربية
وحتى الآن استطاعت القوت الأميركية من تحجيم النفوذ الإيراني وإن بشكل بسيط فقد أقدمت على قطع الطرق بين العراق وإيران وضرب مجموعات مسلحة تابعة لإيران في البادية السورية وكانت إسرائيل قد سبقتها بضرب مطار دمشق الدولي بإعتباره خط إمداد لوجستي من إيران إلى سوريا. 
وبالتالي فإن الإدارة الأميركية صنعت واقعا يفضي إلى نزع المبررات للوجود الإيراني في سوريا، خاصة بعد أن تم وضع إيران في خانة الدول الداعمة للإرهاب بحيث يتم النظر إليها بنفس المنظار التي يتم النظر فيه إلى داعش والنصرة وامثالهما. وهذا سيكون سببا في ضرب التقارب الإيراني الروسي، وسيؤدي إلى إيجاد شرخ في العلاقة الإيرانية الروسية سيما وأن روسيا بعد الهدنة التي توصلت إليها بين النظام السوري وفصائل المعارضة ثم الإتفاق على المناطق الآمنة قد أعطت ذريعة للإدارة الأميركية للتساؤل عن معنى الوجود الإيراني في سوريا، خاصة وأنه لم يسبق لإيران وميليشياتها أن خاضت حروبًا مع داعش. 
وإذا كانت الإدارة الأميركية تعمل على إخراج ايران من اللعبة في سوريا لكنها تدرك أن ذلك ليس بالأمر السهل ولا بد من الجدية والإستمرارية ويتطلب تضافر جهود حلفاء أميركا في المنطقة وانخراطهم ضمن الجهود الأميركية للتخلص من التهديد الإيراني.