لو تم التسليم جدلاً بأن «داعش» هو الذي قام بالعمليتين الإرهابيتين في طهران، فهل يمكن التسليم بصحة هذا الاتهام، ولماذا يؤشّر كل ما حصل ويحصل إلى «الفصام» الحاد في موقف النظام الإيراني؟

لا شك أن آثار العملية الإرهابية في قلب أقدس أقداس السلطة الإيرانية، لن تقف عند حدود ما حصل. بالعكس سيطول البحث والتدقيق والتنقيب في أسباب هذه العملية ومَن يقف خلفها، ولماذا وقعت حيث وقعت، وهل ستكون يتيمة أم أنها حلقة من سلسلة دامية وقاسية؟

بداية فإن كل اسم من أسماء المهاجمين سيأخذ وقتاً طويلاً لتحديد هويته السياسية والاجتماعية والجهوية وحتى القبلية. وأيضاً، وهذا مهم الآن تحديد منطلقاته الدينية والفقهية، من العائلة إلى آخر شيخ كان يؤم صلاته، خصوصاً أن المهاجمين الستة أو السبعة إيرانيون وليسوا غرباء لاجئين أو نازحين أو مستقدمين من الخارج.

بداية، «داعش» يضرب عشوائياً بهدف الإرهاب وبث الرعب والحفر في الذاكرة الشعبية، وهو مارس هذا الأسلوب أينما ضرب في الغرب أو في لبنان. أما في إيران التي «هادنها» طوال السنوات الخمس الماضية، فإنه ضرب ليحفر في الذاكرة السياسية للإيرانيين قبل الذاكرة الشعبية. والعمليتان جرتا

ضدّ الشرعيتين السياسية والدينية، من دون أن توجّه لضرب المدنيين. العملية الأولى استهدفت «مجلس الشورى» الذي يُجسّد «الشرعية الشعبية الدينية». أما الثانية فهي ضدّ ضريح الإمام الخميني رمز «الشرعية الدينية»، وفي عزّ الاحتفالات بذكرى وفاته قبل 28 عاماً. «داعش» لم يقل منذ قيامه ورغم التدخّل الإيراني الكامل والشامل والعميق في العراق إلى جانب القوى والميليشيات الشيعية العراقية إنه ضدّ إيران أو يريد الثأر من إيران، وكان تنظيم «داعش» قد عمل على تحييد إيران حتى يتمكن من ضرب القوى الأخرى سواء كانت شيعية أو سنّية.

من «داعش» إلى الإيرانيين الذين قُتلوا في المعركة أو فجّروا أنفسهم. بالمبدأ لا يمكن أن يكون هؤلاء شيعة لأنه لم يُعرف عن «داعش» أنه تنظيم مفتوح أمام الشيعة أو «الرافضة». فإذاً، أعضاء المجموعة هم من الإيرانيين السُنَّة. والسؤال الطبيعي لماذا انضم هؤلاء إلى «داعش»، وإيران اليوم هي «الجمهورية الإسلامية» الوحيدة في عالم الإسلام؟

السُنَّة في إيران بلا أي مغالاة مهمّشون ومحرومون. لا يحق أن يكون لهم وزير ولا جنرال ولا حتى مدير في الدولة. حاول الرئيس حسن روحاني أن يعيّن وزيراً سُنِّياً في حكومته الأولى ولم ينجح. الروح المذهبية تصاعدت في الفترة الأخيرة في إيران، ما رفع منسوبها رياح اللهيب المذهبي المُستعر في العراق وسوريا. منذ زمن ليس بقريب تقوم حركات مسلّحة أبرزها «جند الحق» في بلوشستان بعمليات مسلحة تكلل بعضها بالنجاح حيث قتل 11 فرداً من الحرس الثوري.

لذلك كان لا بد في ظلّ الحرمان أن يمتد لهيب المذهبية الى الداخل الإيراني. وأخطر ما في ذلك اختلاط المذهبية بشعلة القومية، كما في سيستان - بلوشستان أو الأكراد وحتى العرب السُنَّة في خوزستان. ما لم تُسارع إيران الى التعامل مع النار المذهبية بعقلانية داخل إيران وخارجها، فإنه لا يمكن المحافظة على العيش والسلام داخل كل إيران. لا يمكن لإيران أن تقنع مواطنيها السُنَّة بأن عليهم العيش والقبول بالنظام وهم يتابعون يومياً المعارك الخارجية لـ«الحرس الثوري» الذي يضم عدداً كبيراً من أبنائهم، باسم الدفاع عن «المراقد المقدّسة»، وتحت شعارات مثل «لن تسبى السيدة زينب مرتين».

إذا تم وضع كل هذه الاحتمالات على الرفّ، يمكن اتهام مجموعة «مجاهدي خلق» المعارضين للنظام، وهم موزعون وممزقون بين العراق والدول الغربية. لكن تحرك مجموعاتهم لا يمكن أن يتم بهذا الشكل من دون موافقة أميركية. واشنطن لها حق القرار النهائي في هكذا مهمات وأدوار. إذاً، السؤال: هل قررت واشنطن الدخول في حرب مكشوفة ولو بالوكالة مع النظام الإيراني؟

لا شك أن السياسة «الترامبية» مختلفة جداً عن السياسة «الأوبامية». الثاني كان يؤمن ويعمل على قاعدة أن «الأصولية الشيعية» هي المؤهلة والقادرة على محاربة «الأصولية السُنِّية»، ولكن بعد سنوات تبيّن للبنتاغون والمؤسسات الأمنية الأميركية قبل دونالد ترامب، أن الصدام بين «الأصوليّتَين السُنّية والشيعية» غير ناجح. بالعكس فإنه يرفع منسوب «الأصولية السنّية» بحيث أن «داعش» يتحوّل إلى حالة تغزو عقول وقلوب حتى الشرائح المتعلمة فكيف بالشرائح الريفية؟

«الحرب الناعمة» أو «حرب الظلال»، شرسة ومفاعيلها وآثارها أقوى من المدافع. عندما كشفت واشنطن عن المسؤول في المخابرات المركزية عن اغتيال «عماد مغنية» مايكل دياندريا المعروف باسم الأمير الأسود كان ذلك غريباً، أما عندما كشفت أنه تولى قطاع إيران، فإن ذلك كان استثنائياً. في جميع الأحوال شكّل الإعلان «رسالة» واضحة المصدر والعنوان، مضمونها أن إيران وُضِعت في «عين الإعصار» العسكري والأمني الأميركي.

أميركا لن تُهاجم إيران وتحرقها. واشنطن تعرف حقائق ووقائع الجغرافيا والتاريخ، لكن أيضاً على إيران أن تتعامل بواقعية مع الحقائق التي تعرفها بدقّة. إيران تكون قوية بالتضامن والتكافل مع جميع قوى المنطقة وتكون ضعيفة حتى لو امتلكت القنابل الذرية.

الحروب الخارجية سواء «الحرب الناعمة» أو «حرب الظلال» لا تنجح إذا لم توجد أسباب وعوامل داخلية متكاملة معها. حان الوقت لأن تكون علاقاتها مع جيرانها سياسية إيجابية وليست عسكرية سلبية. «روحانية» وليست «سليمانية».