منذ الشهرين لا خبر يعلو فوق الخبر الآتي «لبنان على قاب قوسين او أدنى من أن يرى القانون الانتخابي الجديد النور»، ولكن لتاريخه لم يحسم شيء في هذا المضمار. فلا قانون نهائياً بل لا مسودة للمناقشة، وهنالك من يراهن على العودة الى قانون الستين الذي قيل لنا «والله أعلم» إنّ مراسم دفنه قد شاركت فيها كل الطبقة الساسية...
 

هذا التخبّط المزمن يلزمنا بالعودة الى الوراء، إذ إنه ومنذ تسع سنوات وقانون الانتخابات الجديد والمنتظر من اللبنانيين الذين يؤمنون بسيادة الدولة يقبع في غياهب النسيان... صحيح انه كان يطفو على سطح الاحداث بين الحين والآخر، ولكنّه سرعان ما كان يُخبّأ ويسحب من التداول امام العديد من الاحداث والتطورات والاستحقاقات الجادة او المفبركة التي كانت تحلّ محله وتأخذ من اهتمامنا واهتمام المسؤولين... وهذا الهدوء لم يتعكّر الا قبل انتهاء التمديد الثاني للمجلس النيابي الحالي، فأصبح كما أسلفنا الشغل الشاغل للطبقة السياسية سواء الحاكمة او التي تنتظر دورها لتدخل جنته.

ولمن لا يدري، فإنّ قصتنا مع إقرار قانون جديد للانتخابات قصة لبنانية بامتياز لا يمكن ان تجد لها مثيلاً في العالم الديموقراطي أو الذي يدّعي الديموقراطية... فقانون الانتخابات النيابية في لبنان لا يطاول حصراً المبدأ الاول في النظام الديموقراطي والقائل إنّ الشعب يحكم بواسطة الشعب او بممثلين عنه ويؤدي الى نشوء جماعة تَستلم السلطة وأخرى تعارضها. إنما هدفه الاول في لبنان تحديد شكل السلطة وتَقاسم مغانمها سواء بين المجموعات التي يتألف منها لبنان، أو داخل كل جماعة، ما يُزيل الحواجز بين المعارضة والموالاة الى ما هو أعمق وأكثر خطورة.

من هنا، فإنّ الطقوس الديموقراطية نراها غائبة عن القانون نصاً وتحضيراً. فلو أخذنا معيار العمل بالقوانين البرلمانية والتحضير لها لكان من المفترض ان تجرى الانتخابات وفقاً لقانون معلوم من قبل الناخبين والاحزاب المتنافسة قبل فترة زمنية كافية تمكّن الناخب من حسن الاختيار، والمرشّح من إمكانية المنافسة بالتساوي مع غيره من الافرقاء خصوصاً أولئك الذين في السلطة... وكان من المفترض ان تناقش مسودات القوانين والاقتراحات والتعديلات داخل المؤسسات الدستورية لا في اجتماعات جانبية ثنائية وثلاثية ورباعية ومن قبل اشخاص لا دور مؤسساتياً لهم... كما أنّ الانظمة الانتخابية معروفة ومعلومة وكلّما تقدم البلد نحو الديموقراطية كلّما كان القانون سهلاً وغير معقّد ومن شروطه الاساسية ان يبقي النتائج التي ستفرزها الانتخابات غير معلومة، وذلك تماماً خلافاً لما هو قائم اليوم في لبنان، إذ ان كل الاطراف تعمل على انتاج قانون معقّد بالشكل على أن تكون نتائجه معروفة مسبقاً سواء على الصعيد الوطني العام او على صعيد كل طائفة وفئة... لذلك نرى كل يوم ارنباً جديداً يخرج من اكمام الطبّاخين وكل ارنب يبعدنا أميالاً عن النظام البرلماني بمعناه الدستوري الحقيقي.

اضافة الى رفع شعارات عن استعادة الحقوق من جهة وعن حمايتها من جهة أخرى... فكل فريق يستعمل هذه المفردات وغيرها ليخيف من يدّعي تمثيلهم فيستنفرهم خلفه مع علمه المسبق بأنّ لبنان لا يحكم إلّا بالتوافق السلبي الذي يبقي مكاناً للجميع من دون ان يقدّم حلولاً جذرية للمشاكل التي يعانيها لبنان...

من هنا قد يخرج القانون الجديد الى الضوء وقد يبعث قانون الستين من الموت او يستعاد عنهما بقانون غازي كنعان من يدري؟ المهم ان تتوافق هذه الطبقة على قانون يبقيها في السلطة الى أبد الآبدين... ومن يَعِش ير.