تزامناً مع جولة وفد قيادة المنطقة الوسطى الأميركية على مواقع الجيش الأمامية على الحدود اللبنانية - السورية يبدأ أعضاء الكونغرس مناقشة المسودة الرسمية لمشروع قانون العقوبات لتجفيف مصادر تمويل «حزب الله» والمنظمات الإرهابية. وهو ما طرح السؤال عن وجه واشنطن الذي على لبنان الأخذ به. فهل هو العسكري الداعم للجيش؟ ام المالي والقانوني الساعي الى فرض العقوبات؟
 

يستضيف لبنان منذ يومين وفداً أميركياً برئاسة قائد المنطقة الوسطى للجيش الاميركي الجنرال جوزف فوتيل الذي جال على رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة وقائد الجيش العماد جوزف عون قبل ان يتفقّد أمس، ومعه قائد الجيش العماد جوزف عون، مواقع الجيش اللبناني المتقدمة في جرود عرسال والمنطقة المجاورة.

وتأتي زيارة هذا الوفد في توقيت دقيق ليعبّر من خلالها عن حجم الدعم العسكري الذي خصّصته الإدارة الأميركية للجيش في المواجهة المفتوحة مع الإرهاب المتمثل بمجموعاته المنتشرة على طول الحدود اللبنانية - السورية ما بين عرسال والقاع ورأس بعلبك.

ولذلك جاءت الجولة الميدانية بهدف تحديد حجم ونوعية الأسلحة المناسبة التي يحتاجها الجيش للتفوّق على قدرات المجموعات المسلحة التي باتت محاصرة في بقعة محددة تحوط بها في القلمون السوري الشمالي وجرود المنطقة قوات الجيش السوري ووحدات «حزب الله» من الجانب السوري، والجيش اللبناني من الجهة اللبنانية.

ولذلك توقّف المراقبون أمام هوية ومناصب اعضاء الوفد، فهو ضمّ الى فوتيل، الذي بات يعرف خريطة المنطقة وتلالها، مدير الاستراتيجيا والتخطيط في المنطقة الجنرال جورج شميث إضافة الى عدد من الضباط الكبار المعاونين لهما وأعضاء مكتب التعاون اللبناني - الأميركي الذي يشرف على تعزيز قدرات الجيش اللبناني وتزويده ما يحتاج من أسلحة تتوافق ونوعية المواجهات التي يقودها في المنطقة الوعرة وتلالها.

وقد عزّزت زيارة الوفد لدى المسؤولين اللبنانيين الكبار وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القراءة الإيجابية للموقف الأميركي وحجم الدعم المقرر للبنان، وهو ما دفعه الى التأكيد امام الوفد انّ «لبنان مصمّم على الاستمرار في مواجهة التنظيمات الارهابية على الحدود وملاحقة خلاياها النائمة في الداخل».

كذلك أبلغ عون الى فوتيل والوفد المرافق في حضور السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيت ريتشارد «انّ العمليات العسكرية الاستباقية التي يقوم بها الجيش وتستهدف مواقع التنظيمات الإرهابية تنفذ بدقة متناهية وبكفاية عالية»، كاشفاً عن «أنّ ملاحقة الخلايا النائمة ورصد تحركاتها، أسفرا عن اعتقال مجموعة إرهابية كانت تخطط لتنفيذ اعتداءات في أماكن سكنية آهلة، وتبيّن أنّ من بين أفرادها عنصراً يمنياً».

وفي ردّه على عون أكد فوتيل «حرص القيادة الأميركية على استمرارها في دعم الجيش اللبناني»، فهو «أثبت قدرة عالية وكفاية مميزة في العمليات التي ينفذها ضد الإرهابيين»، منوّهاً بالرعاية التي يوليها للجيش، خصوصاً متابعته شخصياً من غرفة العمليات المركزية في اليرزة المهمات الدقيقة التي نفذها، والتي كان آخرها قبل أيام العملية العسكرية الجوية الناجحة «التي أنجزها الجيش بحرفية مميزة والتي حققت أهدافها».

وأمام هذه الصورة التي تتناقض ومختلف التقارير التي وردت من واشنطن وتتحدث عن تقليص الدعم لجيوش المنطقة وفق الإستراتيجية الجديدة للرئيس دونالد ترامب، فقد ثبت للمراقبين انّ الجيش اللبناني هو خارج هذه المعادلة.

فترامب قرّر على ما يبدو «تدفيع» دول المنطقة ولا سيما منها دول مجلس التعاون الخليجي كلفة العمليات العسكرية التي كان يقوم بها الأميركيون مباشرة ويسعى الى استخدام جيوشهم في الحروب المتنقلة بدلاً من القوات الأميركية.

وعلى رغم هذا الارتياح الأمني والعسكري للسياسة الأميركية، يراقب المصرفيون والإقتصاديون بقلق شديد توجّه الكونغرس الأميركي الى فرض المزيد من القيود التي تلامس العقوبات على القطاع المصرفي اللبناني بحجة مراقبة مصادر تمويل «حزب الله» والمنظمات الإرهابية في لبنان والمنطقة.

ويتبادل العارفون معلومات تؤشر الى انّ نتائج زيارات الوفود النيابية والإقتصادية اللبنانية الأخيرة الى واشنطن لم تكن ناجحة، ولم تأت بجديد، ولم «تلجم» الإدارة الأميركية التي تتجه الى وضع لائحة جديدة بالشخصيات والمؤسسات التي ستتعرض للعقوبات الجديدة لحصر مصادر التمويل والخطوط غير الشرعية المعتمدة في نقل الأموال وإنهائها أيّاً كانت الكلفة المقدرة على المصارف اللبنانية تحديداً، والمؤسسات الإقتصادية عموماً.

وعلى رغم رهانها على الجولة التي ينوي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة القيام بها باتجاه واشنطن وما تخطّط له وزارة الخارجية، فإنه ليس لديها معطى إيجابياً حاسماً.

وأمام هاتين الصورتين لواشنطن في الأذهان والعقول، يحتار اللبنانيون ايّ وجه لواشنطن عليهم الاختيار، العسكري الداعم أم الإقتصادي والمالي المتشدّد في العقوبات، الى أن يأتي من يفهم العقل الأميركي ليدعو اللبنانيين الى الفصل بين ما هو عسكري من جهة وما هو مالي واقتصادي من جهة ثانية.

فالتشدّد في محاصرة اموال الإرهابيين لا يتناقض من وجهة النظر الأميركية مع الدعم العسكري للجيش، لا بل هو يصبّ في الخانة عينها وهو ما تترجمه العودة الى البيان الأميركي - السعودي المشترك الذي صدر عقب قمم الرياض في 22 أيار الماضي، والذي قال ما حرفيته: «أكّد الجانبان أهمّية دعم الدولة اللبنانيّة لبسط سيادتها على أراضيها كافة، ونزع سلاح التنظيمات الإرهابيّة مثل «حزب الله»، وجعل الأسلحة كافة تحت الإشراف الشرعي للجيش اللبناني».