لم يقفل باب التوافق النهائي على القانون النسبي. ومن الطبيعي في مخاض ما قبل الولادة أن تتخلله نوبة وجع، نوبة مغص، نوبة «دوخة ولعيان»، نوبة «تعصيب» و»نرفزة» ومزاج معوكر»، ونوبة شهية مفتوحة على أكل كلّ شيء. وبعد ذلك، يخرج الجنين إلى الدنيا إمّا بولادة طبيعية، وإمّا بعملية قيصرية، وإمّا بولادة متعسرة تخرج الجنين ميتاً وتدخل الأهل في حسرة.
 

حال القانون الانتخابي، كحال ذاك الجنين الذي ينتظر. وتحيط به أحسن الاحتمالات وأسوأها في آن معاً، ويبقى الرهان على نجاح اتصالات الفرصة الأخيرة، فإمّا أن تحسم وتُسرع الولادة السليمة للقانون الاثنين المقبل وهو احتمال قوي جداً، وهذا يوجب توزيع المغلي فوراً، وإمّا تفتح الباب على احتمالات عديدة:

- الاحتمال الأول، إجراء عملية قيصرية تخرج القانون النسبي الى الدنيا، من خلال انعقاد الجلسة التشريعية في موعدها المحدد يوم الاثنين في 12 حزيران الجاري، حيث يعلن احد النواب تبنّيه للمشروع النسبي على الدوائر الـ15 ويقدمه فوراً بصيغة اقتراح معجّل مكرّر. ويصوَّت عليه بالموافقة، بالشكل الذي تمّ التفاهم عليه في إفطار بعبدا بلا زيادة او نقصان.

- الثاني، التسليم بوفاة القانون، والعودة إلى قانون الستين، التي يخشاها كثيرون هذه الايام ومن بينهم سياسيون كبار يعتقدون انّ خلف نوايا البعض هدفاً اساسياً هو العودة الى الستين، وليس التقدّم الى اي أمر آخر. واذا كان لا بد من هذه العودة، فهي تتطلّب انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب قبل انتهاء ولاية المجلس لتعديل المهل وتحديد موعد إجراء الانتخابات على اساسه قبل ايلول، سواء مع تمديد مؤقت لثلاثة اشهر للمجلس، او حتى بلا تمديد.

وهذه العودة من شأنها ان تُشعل عاصفة من الاسئلة عمّا يستفيده معطّلو النسبية، وعمّا يستفيده العهد وفريقه من العودة الى الستين على أنقاض قانون نسبية يخدم لبنان والمسيحيين على وجه الخصوص؟

- الثالث، الذهاب الى الفراغ وتحمّل كل التبعات والتداعيات وكل ما يَصبّ في خانة السلبيات.

عندما تصاعد الدخان الابيض في الافطار الرئاسي، وأحيط القانون النسبي بتفاهم سياسي، قيل إنه «صلب»، تَنفّس البلد الصعداء، وشعر انه يقف على حافة استقبال الحدث السعيد بعد ان حسم بعض التفاصيل التقنية المتعلقة بعتبة الفوز، او ما تسمّى «نصاب الإبعاد»، والصوت التفضيلي ودوره، وكيفية احتساب الاصوات... ولكن النقاش سار في اتجاه آخر. وطرحت امور اخرى من خارج السياق التقني.

الواضح أنّ ثمة إصراراً على اعادة السير بإنشاء مجلس الشيوخ وتثبيت المناصفة في متن الدستور. يقابله رفض لِما سمّي استحداث قوانين على حافّة قانون النسبية لا علاقة لها به. ويقول الرافضون بصرف النظر عمّا اذا كان إنشاء مجلس الشيوخ وتثبيت المناصفة مطلب حق، فالآن ليس أوان البحث فيهما اولا لأنها لا يتعلقان بالقانون الانتخابي وثانيا لانهما يتعلقان بالنظام السياسي وتركيبته. علما أنّ الاولوية الوحيدة الآن هي لقانون الانتخاب قبل ايّ أمر آخر.

«التيار الوطني الحر» و«حلفاؤه»، يرون انّ ذلك من ضمن الاصلاحات التي يفترض ان تترافق مع القانون الجديد. ويبدو مستفَزّاً من تعطيل مجلس الشيوخ وكذلك من تعطيل تثبيت المناصفة في الدستور. ويلقي بالمسؤولية هنا على الرئيس نبيه بري. علما ان الشعار الدائم لرئيس المجلس هو «لو بقي مسيحي واحد في لبنان سأبقى احترم المناصفة».

لكنّ المنطق الآخر يسجّل على التيار جملة مآخذ:

اولاً، انّ التيار يقارب اي مسألة في الوقت الراهن تحت شعار «حاول ان تستفيد من اللحظة الى الحد الاقصى، فقد لا تتكرر الفرصة».

ثانياً، ليس كل ما يُطلب يُعطى. بحيث استحضرَ عناوين كبرى، ويريد فرضها؛ طرح مجلس الشيوخ، بصلاحيات تفوق وتقيّد صلاحيات مجلس النواب، وامّا رئاسة هذا المجلس فهي نقطة خلاف جوهرية مع الدروز وقد تفتح على مشكل عميق. الامر الذي يتطلّب مقاربة هادئة في وقت أكثر ملاءمة من الآن.

وأمّا موضوع المناصفة، فلا حاجة او ضرورة للنص عليها بالدستور، لأنها أصلاً مثبتة فيه، وتحديداً في المادة 24 التي توزع المقاعد النيابية بالتساوي بيم المسيحيين والمسلمين وكذلك في المادة 95 من الدستور التي تحدد المناصفة بين الفئتين في وظائف الفئة الاولى».

كما أنّ هناك ما يؤكد على انّ هذه المناصفة ثابتة الى أبد الآبدين، لسبب بسيط وهو انّ لبنان، لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل ولا حتى في الدنيا الاخرى، قادر على إعداد قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، هذا أمر مستحيل. مثله مثل إلغاء الطائفية السياسية، اذ انّ مجرد التفكير بذلك، او الاعتقاد بأنّ ذلك سيحصل يوما ماً، هو ضرب من السذاجة إن لم يكن من الغباء.

على انّ السؤال الاساس الذي يطرح في موازاة طرح تشكيل مجلس الشيوخ او طرح تعديل الدستور لتثبيت المناصفة. فلنسلّم جدلاً بأنّ هذا الطرح مُحق، فقد سها عن أذهان اصحاب هذا الطرح انّ مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب حصرها بالبحث في قانون الانتخاب وليس في أيّ بند آخر. وبالتالي لا مكان له على جدول أعمال الدورة الاستثنائية الحالية. فهل انّ الطرح الجديد يَنمّ عن جهل أم يعبّر عن كيد؟

ثالثاً، إنه، اي التيار، متهم بأنه يلعب لعبة الوقت من خلال طروحات تربط مصير القانون بالسير بها، معتبراً انّ الآخرين في موقع المضغوط عليهم بعامل الوقت، او انهم خائفون من ان يؤدي انقضاء هذا الوقت الى الوصول الى أسوأ احتمالين، الستين او الفراغ.

وهنا يسأل اصحاب هذا المنطق: هل يستطيع الدافعون الى الستين ان يحددوا حجم ربح المسيحيين منه؟

امّا في ما خَصّ الفراغ، فهناك مَن لا يتردد الآن بالقول: «هذا كل ما لدينا، قدّمنا كل التسهيلات والتنازلات للتعجيل بالقانون الجديد ولن تستطيعوا ان تمرروا شيئاً لا تعديلات دستورية ولا إنشاء مجالس معينة، فافعلوا ما يحلو لكم، إن أردتم الستين فقولوا ذلك صراحة ولا تخجلوا، وإن أردتم الفراغ فلا مانع ابداً فاذهبوا اليه، وكفى تهويلاً ولعباً على الوقت».

في اللقاء الاخير بين السيّد حسن نصرالله والوزير جبران باسيل، كان «تسليم» بالقانون النسبي (15 دائرة)، كما اتفق عليه في بعبدا، بلا زيادات او اضافات. وامّا الاساس فكانت المطالعة التي قدّمها السيد نصرالله حول الفراغ، وفيها ما مفاده: اذا كان هناك من فَكّر او يفكّر بإيصال البلد الى الفراغ، او يسعى الى ذلك، فهو يرتكب الخطأ القاتل... الفراغ يعني اولاً ان لا وجود لمجلس نواب، وعدم وجود مجلس يعني لا وجود لحكومة، وأمام هذا الواقع تصبح رئاسة الجمهورية مشلولة، وبالتالي لا يتّخذ قرار في البلد.

لذلك هذا ممنوع أولاً، وهو ممنوع ايضاً لأنه امر خطير جداً في ضوء تطورات المنطقة. نشكر الله انّ لبنان مستقر ومتماسِك ونريده ان يبقى كذلك ويتحصّن أكثر. ومن يفكر بالفراغ يؤذي البلد، ويجب الانتباه الى هذا الخطر، حتى لا نصل الى وقت نترَحّم فيه على البلد.

يبقى انّ اتصالات الفرصة الاخيرة هي التي ستحدد المسار... وشكل البلد في الآتي من الايام. علماً انّ أحد أبرز العاملين على خط الاتصالات يجزم قائلاً: ثقوا انّ القانون الجديد سيولد الاثنين. وبالتالي الاثنين لناظره قريب.