ما إن يطفو جو إيجابي في ملف قانون الانتخاب، حتى يليه جو سلبي آخر. بعد إعلان التوافق العريض في إفطار بعبدا الأسبوع الماضي، واعتبار أن التفاصيل التقنية المتبقية لن تعطل إقرار القانون الجديد، برزت ألغام عديدة في طريق ولادة القانون. فمثلاً، بعد الإعلان عن إنهاء مسألة الصوت التفضيلي بجعله على القضاء وفق أساس غير طائفي، عادت الأمور وتراجعت. فقد برز في هذه المسألة خلاف بين الأفرقاء في لقاء مساء الأحد في بيت الوسط، الذي ضم الوزير علي حسن خليل والنائب جورج عدوان ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، إذ أبلغ عدوان المستقبل وأمل بأن التيار الوطني الحر متمسك بالأساس الطائفي للصوت التفضيلي. وكان هناك موقف جديد للقوات اللبنانية، بأن لا يكون الصوت التفضيلي على أساس القضاء، بل على أساس الدوائر الخمس عشرة.

أما الخلاف الذي لم يجد سبيلاً للحلّ بعد، فهو في شأن العتبة الانتخابية وكيفية رسم الدوائر وتوزيعها، وكيفية إحتساب الفائزين والخاسرين، خصوصاً أن هذا يحتاج إلى حسابات طائفية أيضاً. بمعنى أنه إذا كان هناك دائرة فيها ستة مقاعد، من بينها مقعدان للمسيحيين، فكيف يمكن إحتساب الربح للمرشحين المسيحيين، إذا ما كان المرشحون المسلمون هم الذين حصلوا على عدد أصوات أكبر من المرشحين المسيحيين. لأن هذه المسألة تحتاج إلى حسم دستوري، لتجنّب الطعون. فيما تشير مصادر متابعة إلى أن هناك نقاشاً دستورياً آخر، بدأ في الكواليس، وهو أحد عوامل عرقلة قانون الانتخاب، وهو ما يطرحه التيار الوطني الحر بالتضامن مع القوات اللبنانية، في شأن إستحداث نص دستوري، لإقرار المناصفة في المقاعد داخل مجلس النواب، بين المسلمين والمسيحيين.

هذه النقطة، يوافق عليها المسلمون، لكن مسألة تحقيقها، لا يمكن أن تكون بهذه السهولة، أو محل ابتزاز لأجل التوافق على قانون الانتخاب، إذ يعتبر البعض أن إشارة الوزير جبران باسيل إلى أنه اتفق مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على ما هو أبعد من قانون الانتخاب، تعني التعديل الدستوري. لكن الاعتراض على هذه النقطة، يأتي بسبب اعتبار المسلمين أن باسيل يريد إستباق الأمور، واجراء التعديل الدستوري هذا، وحين يتم إقرار مجلس الشيوخ في المستقبل، يكون إقراره أيضاً مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وبذلك تكون المناصفة حصلت في المجلسين. الأمر الذي يعارضه المسلمون، لأن إنشاء مجلس الشيوخ يجب أن يقترن دستورياً بإلغاء الطائفية السياسية، أو إلغاء مسألة الطائفية من مجلس النواب. وهذا ما يرفضه التيار الوطني الحر.

وهنا، يعتبر سياسي بارز، في حديث مع "المدن"، أن الخطاب العوني في هذه المرحلة يؤجج النزعة الطائفية، وعند كل تنازل يقدّمه الأفرقاء لمصلحة مطالب باسيل، يواجهون بمطالب أخرى، أكثر صعوبة. ويعتبر السياسي أن هذا الخطاب يفرض على المسلمين استيعاب تصعيد اللهجة المسيحية حفاظاً على الاستقرار وعلى العيش المشترك، لأن عدم استيعابها والإصطدام بها، قد يؤدي إلى خواتيم لا تحمد عقباها. لذلك، هناك تخوف من أن يستعر الخطاب الطائفي أو خطاب ما قبل الحرب الأهلية.

وليل الإثنين وضع عدوان رئيس الحكومة بأجواء اللقاء اليلي الذي عقد في منزل الوزير باسيل، وهي أن العقبات مازالت على حالها. وقد علمت "المدن" أن الاتصالات ستتكثف لأجل إنجاز التوافق على كل التفاصيل التقنية، خصوصاً أن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يعد قادراً على احتمال الوضع الحالي، والوقت يصبح داهماً. ورغم ذلك أكد عدوان أن الاجواء إيجابية وأن الحريري سيدعو اللجنة الوزارية المشكلة لبحث قانون الانتخاب إلى جلسة خلال اليومين المقبلين، وإذا ما حصل توافق في اللجنة، سيُحال القانون إلى الحكومة لإقراره، ولو استوجب ذلك عقد جلسة إستثنائية قبل موعد جلسة مجلس النواب الإثنين.

في المقابل، تؤكد مصادر متابعة لـ"المدن" أن حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي، وأفرقاء آخرين، يرفضون جعل القانون المتفق عليه أرثوذكسياً بصيغة مقنّعة، وتقول: "إذا ما استمر الموقف على ما هو عليه، هناك استبعاد لإقرار القانون، وقد يصار إلى التوافق على إقرار إتفاق إطار للقانون، على أن يمدد للمجلس النيابي لفترة معينة، ستة أو سبعة أشهر، تتم معالجة تفاصيلها خلال هذه الفترة". لا شيء محسوماً بعد، والأمور تسير بشكل متقطع وبالمفرّق. أما من يتحدث عن السلبية، فيعتبرون أن اختيار بري موعد الجلسة في 12 حزيران، يأخذ بالاعتبار احتمال عدم التوافق. بالتالي، إذا ما أقر التمديد في جلسة الإثنين، يكون لرئيس الجمهورية خمسة أيام لرفض التمديد، ويعاد الأمر إلى المجلس، الذي سيعقد جلسة أخرى يوم الإثنين في التاسع عشر من حزيران، أي قبل يوم واحد من انتهاء الولاية، للمصادقة على التمديد.