خمسون عامًا مرّت على هزيمة 5 حزيران 1967، تلك الهزيمة التي لحقت بالعرب بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على ثلاث من الدول العربية، دامت ستة أيام وهزمت فيها هذه الدول العربية هزيمة ساحقة، وكان من نتائجها خسائر بشرية ومادية كبيرة، وإحتلال أجزاء واسعة من الأراضي العربية، وتدمير أغلبية العتاد العسكري العربي.
ولم تتوقف الخسائر عند الخسائر البشرية وحدها بل تعدت إلى أبعد من ذلك حيث أجبرت تلك الهزيمة التي مُني بها العرب ما بين 300 و400 ألف عربي من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة والمدن الواقعة على طول قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلية والسويس) على الهجرة من ديارهم، وخلقت مشكلة لاجئين فلسطينيين جديدة أضيفت إلى مشكلة اللاجئين الذين أجبروا على ترك منازلهم بعد أحداث النكبة عام 1948.

إقرأ أيضًا: في ذكرى النكبة فلسطين لوحدها!!
كما أجبرت الحرب قرابة مائة ألف من أهالي الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سوريا، وألحقت هزيمة نفسية بالجيوش العربية بعد أن فقدت الكثير من ثقتها في قدراتها العسكرية وكفاءتها القتالية، في حين إرتفعت معنويات الجيش الإسرائيلي وراجت مقولته القائلة إنه "الجيش الذي لا يقهر".
وشملت النتائج أيضًا إحتلال مساحات كبيرة من الأرض، الأمر الذي زاد من صعوبة استرجاعها حتى الآن كما هو الشأن في كل من فلسطين وسوريا، وحتى ما إسترجع منها (سيناء) كانت استعادته منقوصة السيادة.
وأما الحال بعد خمسين عامًا فالهزيمة مستمرة وإن تعددت أنواعها وأختلف المهزومون، فالعالم العربي اليوم أمام هزائم كبيرة وكثيرة لا يمكن تعدادها، لكل حكم هزيمته الخاصة، ولكل دولة هزيمتها الخاصة، وليس واضحًا ما يمكن أن يقال اليوم عن الوضع العربي المتردي الذي يشبه اللاشيء، وليس واضحًا ما يمكن أن يكتب أو يقال اليوم في ظل الإنهيار السياسي والأمني العربي الشامل بعد الزلزال الداعشي الذي أصاب المنطقة العربية والذي أدى إلى تراكم الهزائم سياسيًا وإجتماعيًا وعسكريًا، وإلى تنامي صراع الهويات المذهبية والطائفية وهذا بحد ذاته يشكل هزيمة مدوية للمنطقة العربية بأسرها.

إقرأ أيضًا: لبنان وقمّة الرياض
إن الواقع العربي اليوم وبالنظر إلى نشهده من التشتت والإنقسامات سياسيًا وأمنيًا وإجتماعيًا هو خير دليل على استمرار الهزيمة ولو بأشكالها الجديدة، وكأن المجتمع العربي الرسمي والشعبي قدره فقط أن يعيش الهزائم وتداعياتها، وهو مجتمع لن تقوم له قائمة في ظل هذا التشتت والإنقسام، وهو أمر من الصعب تجاوزه بعدما أصبح العرب مجرد أدوات في مشاريع الدول الكبرى.