المسلمون منقسمون حول إسلام أبي طالب وهذه هي الآراء السائدة حول الموضوع
 

تعتبر قضية إسلام أبو طالب عم النبي محمد ووالد الإمام علي من الأمور الحساسة والتي أثارت العديد من الجدل في الأوساط الإسلامية عبر التاريخ.  
فالرجل الذي كان يعتبر أهم سيد من أسياد قريش في فترة نبوة النبي محمد أثار العديد من التساؤلات حول إسلامه أو لاء.
وفي هذا القضية إنقسمت الآراء إلى صنفين أحدها قال أن الرجل مات وهو على ديانة قريش أي مشرك ولكن شركه لم يمنعه من الدفاع عن إبن أخيه محمد وهذا رأي معظم السنة وأقلية جد قليلة من المفكرين الشيعة وصنف آخر ذهب إلى القول بأن الرجل أسلم وهذا رأي معظم الشيعة وأقلية من السنة.
وكعادة أي قضية إسلامية مفتوحة على النقاش ستختلف الآراء وتتنوع ولن تخلو بعض الأفكار من المغالاة حينا ومن الحقد أحيانا.

إقرأ أيضا : مأزق التفكير الديني اليوم

عبد المطلب : 


تبدأ القصة من عند عبد المطلب الذي كان له 12 ولد من الذكور و 6 إناث حسب المتعارف.
من الذكور إشتهر عبد الله والد النبي محمد وعبد العزى المشهور بأبو لهب وعبد مناف وهو أبو طالب والد الإمام علي وحمزة المعروف بشجاعته بين العرب والعباس.
أيضا كان جد عبد المطلب  يدعى عبد مناف بن قصي بن كلاب ولذلك فإن عبد المطلب سمى أحد أبنائه بعبد مناف تيمنا وإحتراما لجده وهي عادة معروفة عند العرب حتى الآن.
والعزى ومناف هي أسماء لأصنام كانت تتعبد بها قريش قبل الإسلام.
ولمناف معنى آخر يعني العلو والجبل فيصبح عبد الجبل والعبد في اللغة هو الخادم أو السادن بما تحمل من بعد ديني على الوجهين.
أما " الله " فهو تسمية من تسميات الآلهة ليست حكرا على الإسلام بل كانت التسمية  منتشرة قبل الإسلام ويعتبر من آلهة العرب وإتخذوه المسيحيين فيما بعد.
فالله كتسمية إله يقابله العزى ومناف واللات وأسماء آلهة أخرى كما أن الإله في الإسلام له أكثر من تسمية منها الله والرحمن إلخ وورود ذكره في شهادة:" أشهد أن لا إله إلا الله " هو للدلالة على إنتصار الإله المسمى الله على باقي الآلهة.
وبالتالي كلمة الله قبل رسالة النبي محمد لا تشير لأي ديانة توحيدية كانت سائدة عند قريش أو جو إيماني يوحي بذلك.

إقرأ أيضا : نَسْمة رمضانية
بالعودة إلى عبد المطلب فهو إبن هاشم توأم عبد شمس الذي ينتسب إليه بني أمية " إخوة ولاحقا أبناء عم بين الطالبيين والأمويين".
السؤال : كيف يمكن التوفيق بين تسميات أجداد وأقارب النبي والتي تشير بوضوح إلى عدم إتباعهم ديانة التوحيد وبين ما يروى عن أنهم كانوا يدينون بذلك؟
أسماء بعضهم تدل على عبادتهم لديانة قريش قبل الإسلام كعبد العزى أي عبد الصنم المسمى العزى كذلك عبد مناف، ولو إفترضنا أن مناف لا يمت لأصنام قريش بصلة وهو تحليل ضعيف جدا فكيف لعبد المطلب أن يسمي إبنه الثاني أبا لهب بعبد العزى؟ ولماذا إختفت هذه التسميات والأسماء بعد الإسلام فلم يعد أحد يسمي بها أولاده؟
هذا يعني أن عبد المطلب لم يكن موحدا بل كان على ديانة قريش وما يؤكد ذلك هو ما كانت تحاجج به قريش النبي عندما كانت تقول له بما معناه أنك إنقلبت على ديانة آبائك وأجدادك وما تقوله الآية القرآنية:" ووجدك ضالا فهدى" وآية أخرى :" ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ".
البعض يميل إلى إتباعهم ديانة الحنيفية لكن المتعارف عن هذه الديانة أنها أصبحت منحرفة في زمن قريش وتقوم بطقوس غريبة كالطواف حول الكعبة وهم عراة بالكامل وما يؤكد ذلك هو دعوة النبي نفسه وإلا لو كانت ديانة صحيحة فما الداعي لنبي جديد كمحمد؟! ولو سلمنا أنهم كانوا يدينون بديانة الحنيفية فلماذا لم تعترض قريش عليهم وتمنعهم كما ستفعل لاحقا مع محمد؟
هذا يشير أن قريش كانت راضية على ديانة آباء وأجداد محمد ما يعني واحد من إثنتين : إما أنهم كانوا يدينون بديانة قريش وهذا ما توحيه أسماء أبناء عبد المطلب أو أنهم كانوا على ديانة الحنيفية المنحرفة وهذا إحتمال ضعيف مع أنه وارد ولكنه ليس منقبة لهم كما يصور البعض.

إقرأ أيضا : جمال الدين الأفغاني... الماسوني الذي خرج زعماء مصر من معطفه
أما مقولة الأرحام الطاهرة أو المطهرة  فهي لا تعني أنهم كانوا على  ديانة التوحيد  بل تشير إلى أن نسب النبي وأقربائه  شرعي لم يأتوا من علاقات غير شرعية كالزنى مثلا فهم كانوا سادة قومهم.
وبالمحصلة لا يشير ما تقدم أن النبي (شخص النبي وحده دون آبائه وأجداده ) كان وثنيا بل كان يتفكر بالكون ولم يسجد لصنم طوال حياته وهذا ما تؤكده حادثة غار حراء وصدمته عند نزول الوحي أول مرة( الذهاب للتفكر يعني أنه لم يؤمن ويقتنع بعبادة الأصنام بل كان يبحث عن الحقيقة ) وهذا أيضا لا يعني أن أبا طالب مات وهو على ديانة قريش القديمة فالرجل بأفعاله ودفاعه عن النبي ترجم الإيمان الجديد عملا ( ديانة الثورة ) لكن  أيضا لا يعني  أن بداية حياته لم يكن يدين بديانة قريش بل كان ذلك لأن في الإجتماع الشهير حسب المروي أنه لما طلب النبي من أقاربه أن يسلموا ويعينوه على الأمر لم يرفع يده حينها إلا علي تأييدا للنبي وبوجود أبي طالب وحينها قالت قريش لأبي طالب متهكمة: " لقد أمرك محمد أن تسمع لإبنك وتطيعه".

إقرأ أيضا : هل تحل الفانتازيا محل الدراما التاريخية في رمضان؟
كان في الإجتماع أيضا حمزة عم النبي ولم يؤيد النبي حينها بل أسلم لاحقا ودافع عنه.
هذه الحادثة يعتبرها الشيعة منقبة خاصة بعلي وأحد الأدلة على شرعية خلافته لذلك يؤكدون دائما على أن علي وحده من لبى نداء النبي في ذاك الإجتماع.
أما قصة قسم اليمين برب الكعبة  أو للكعبة رب يحميها كانت كل قريش تقولها إحتراما وإجلالا للبيت العتيق، فعبدة الأصنام وضعوا الأوثان في الكعبة لقدسية المكان بنظرهم كونه سبب نهضتهم وحركة تجارتهم وديانتهم وسط صحراء العرب ولأن كعبة قريش كانت أهم من باقي كعبات العرب، إضافة إلى ذلك هناك من قال في التاريخ أن قريش لم تكن تعبد الصنم ظنا منها بأنه إله بل كانت تعبده كوسيلة تقرب وتشفع لدى الإله " رب الكعبة " وكانت ترى في الصنم تجلي للإله.

 

 

رؤية الهاشميين لدعوة محمد : 


لذلك يرى البعض أن مقاربة الموضوع يجب أن تكون من زاوية رؤية أبي طالب والهاشميين بالأخص لدعوة محمد ولاحقا الأميين.
فبإستثناء من آمن بالنبي محمد منذ البداية عن قناعة تامة كالإمام علي من الهاشميين نجد أن باقي الهاشميين كانوا منقسمين حول الدعوة إلى فريقين.
فريق يتزعمه أبو لهب وكان متطرف بحقده على محمد ويرى بالدعوة الجديدة تهديد لمصالحه ولدينه وهذا كان مقتنعا بدين قريش ومعتقدا به وحارب من أجل عقيدته، ويشارك هذا الفريق بني أمية.
أما الفريق الآخر ويتزعمه أبو طالب وضم بالمرحلة الأولى حمزة قبل أن يسلم نهائيا فكانوا يرون بدعوة محمد راية للثورة على الحكم القائم وكانوا مقتنعين بأن محمد يحمل رسالة تغييرية للمجتمع، أضف أن دور العائلية لعب دورا مهما في إصطفافهم إلى جانبه وإبعاد الأذى عنه ومحاربة خصومه فكانت نظرتهم للدعوة نظرة ثورة قادمة من أجل الحق أكثر من أنها رسالة دينية.

إقرأ أيضا : في ذكرى مولده، ما لا تعرفونه عن إمام الشيعة الغائب
ولذلك ضاع المسلمون في تحديد موقف واضح من إسلام  أبو طالب  فهو لم يجاهر بهذا الإسلام ولم تتعرض له قريش ولم يعرف عنه أنه صلى خلف النبي  لكنه كان يدافع بنفس الوقت عن صاحب الدعوة ويحميه ويطلب من أبنائه الوقوف معه.
هذه الوقفة التاريخية لأبي طالب والتي يعتبرها كثر هي من حمت دعوة النبي في مراحلها الأولى جعلت كثيرين يؤمنون بأن أفعاله ووقفته جسدت الإسلام عملا وفعلا حتى لو لم يقل ذلك بلسانه.
فالموقف التسووي للقضية يلخصها أبي طالب نفسه عندما قال للنبي:" إذا أردت الخروج للدعوة إلى ربك فسنحمل السلاح معك ".
لم يقل أبو طالب ربي أو ربنا بل قال ربك وللكلمة دلالة كبيرة ، دلالة لا يمكن حسمها نهائيا حتى لو قال البعض أنه نطق بالشهادة عند وفاته.
لكن مع هذا كله، يكفي أبا طالب أنه دافع عن النبي وهذه شهادة التاريخ التي لا يمكن لأحد نكرانها.
له فضل كبير في حماية الدعوة باكرا وله حق على الأجيال أن تعترف بذلك.