من مفارقات السياسة اللبنانية، أن تنام على موقف محدد لزعيم، وتصحو على نقيضه يخرج عن لسان الزعيم نفسه. لا من يحاسب ولا من يسأل طالما أن لهذا السياسي سواء أكان قطباً أو فرداً، ناساً تسير وراءه على العميانة قادرة على تبرير كل أفعاله وكلامه حتى لو أتت على الشيء وعكسه
 

هذه هي حال النسبية التي تقاذفتها المواقف من أقصى الرفض الى أقصى القبول والتأييد. تارة تكون فرعاً لمحور الشر وطوراً تصير طوق انقاذ ونجاة بامكانها حمل الديموقراطية اللبنانية من منطق المحادل ومرشحي البراشوت الى ميزان الذهب التمثيلي. أحياناً تشكل خطراً داهماً على المشهدية الديموقراطية وأحياناً أخرى تصبح مطلباً جامعاً لا مفر من اللجوء إليه.

على سبيل المثال لا الحصر، كانت "القوات" شريكة أساسية في اجتماعات بكركي التي تبنت اقتراح الدوائر الـ15 مع النسبية الكاملة، فنظّر لها النائب جورج عدوان خلال الاجتماعات الى حدّ "السكر" من "خمرها". دعّم موقفه بالدراسات العلمية والإحصائية والأرقام التي تثبت بالورقة والقلم أن النسبية ضمن الدوائر المتوسطة هي الدواء الشافي لعلة التمثيل المسيحي ليس لأنها الأفضل بل لأنها خط الوسط التي يمكن للقوى السياسية الالتقاء عنده لتصحيح الخلل التمثيلي.

وبالأمس القريب حين بدا "حزب الله" أكثر من متمسك بالنسبية الكاملة، تبرّع سمير جعجع بالتصدي لها بشكل مباشر عبر قصف مركز على هذا الاقتراح وكأنه يحمل في طياته بذور فتنة لا "ذخيرة" الاصلاح التمثيلي.

فجزم الرجل في 25 آذار بـ "رفض النسبية الكاملة أيا كان عدد الدوائر"، فيما اعتبر في 29 آذار الماضي أنّ "النسبية الكاملة خطر على لبنان"، وجزم في 5 نيسان الماضي "عدم السير بالنسبية الكاملة لأنها ديمقراطية عددية وهذا الامر لم ينص عليه الطائف"!

فجأة، صار جورج عدوان "منقذ الجمهورية" من نفق الشلل التام أو بالأحرى من مستنقع الفوضى الدستورية. صارت كل سيناريوهات التخبط واردة طالما أن التفاهم على قانون انتخابي شبه مستحيل. فأدار النائب الشوفي محركاته، بضوء أخضر من معراب، ليقصد المقار الرسمية حاملاً في يد مشروع الدوائر الـ 15 وفي يد أخرى كاسحة ألغام، كانت حتى الأمس القريب معطلة وعاجزة عن فك الألغام أمام القانون العتيد.

مهما اشتدت معارك "الأبوة" للاقتراح المنتصر بحثاً عن "جينات" جذوره، لا يمكن اغفال دور عدوان في هذا "النصر". لقد فعلها الرجل في الوقت المناسب، وقطفتها معراب لحسن قراءتها السياسية.

يقول أحد المسؤولين القواتيين إن هذا المشروع بدوائره المقترحة يتناسب مع حسابات فريقه السياسي لكن الخشية على التفاهم الانتخابي مع "التيار الوطني الحر" هي التي كانت تدفع به الى أسفل سلّم الاقتراحات الانتخابية. ولهذا لم تمانع لا بل تحمست في لحظة معينة، للعودة الى الاقراح المتبنى من القوى المسيحية في بكركي.

وحين لمست "القوات" وفق بعض المطلعين، رياح التغيير هبت من بعبدا وقبلها الضاحية الجنوبية، باتجاه تبني النسبية الكاملة، كانت معراب أول المندفعين بهذا الاتجاه... لتزيد من قنوات الانفتاح على الآخرين من جهة، ولتحقق انجازاً يسجل لها في السياسة تضيفه الى سجل الأداء المتميز لوزرائها.