لم يسبق أن شهد لبنان هذا الغموض حول ولادة قانون جديد للانتخابات، خصوصاً أنّ شدّ الحبال يحصل على حافة نهاية ولاية مجلس النواب من دون ضمان حلول بديلة.
 

الإيجابيات الكثيرة التي يجري توزيعها بسخاء عبر وسائل الاعلام والمواقف السياسية لم تُبدّد الهواجس والشكوك حيال عدم الاتفاق على القانون العتيد.
رئيس المجلس النيابي نبيه برّي والذي أخفق في وضع الورقة البديلة في جيبه حتى الآن والتي تضمن عدم حصول الفراغ النيابي، حاول التقدّم خطوةً الى الامام من خلال طلة إعلامية نادرة له رفع خلالها صوت التحذير اكثر منه إعلان موقف دستوري أو إبداء رأي في الفوضى الحاصلة.

ذلك أنّ ثمّة رأياً وازناً يجري تداوله في الكواليس حول عدم التفاهم على قانون جديد للانتخابات، وأنّ رئيس الجمهورية سيدعو في 19 الجاري إلى إجراء الانتخابات وفق القانون المعمول به أي الستين، وهو سبق وأعلن ذلك، وأنّ مجلس النواب لن يصبح قائماً بعد العشرين من الشهر الجاري لتبقى البلاد بلا مجلس نيابي طوال فترة الثلاثة اشهر الفاصلة عن 17 أيلول المقبل موعد إجراء الانتخابات النيابية.

وحسب هذا الرأي الوازن، فإنّ بري سيرفض ذلك حتى ولو أدّى الى إعلانه فور بدء الفراغ النيابي استقالة وزرائه من الحكومة، والتي ستتبعها استقالة وزراء القوى المتحالفة معه وبالتالي تطيير الحكومة.

وتحذير بري يؤشر الى جدّية هذا السيناريو، ما دفعه للتحدث في مؤتمر صحافي تضمّن تحذيراً مبطّناً ولكن واضحاً.

إلّا أنّ اجواء التفاؤل عادت لترتفع إعلاميا ولو من دون ظهور نتيجة عملية وحاسمة. فرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل متمسّك بضمانات مستقبَلية تبدو في حاجة الى كثير من التشاور والتفاوض في حال تمّ التمسّك بها كلها.

ووفق هذه الصورة تبدو الأوساط السياسية في معظمها غير قادرة على تشخيص علمي وواضح للامور وهي تتأرجح بين احتمال من اثنين:

الاحتمال الاول، يعتقد أنّ باسيل والذي يثبت نفسه كمفاوض صعب المراس على طريقة عون، يستنفد كل الوقت المتاح امامه وصولاً الى الساعات، لا
بل اللحظات الاخيرة، واضعاً هذا العامل في مصلحته من اجل الفوز بأكبر مقدار ممكن من النقاط الرابحة والحدّ الاقصى القادر على الحصول عليه.

وحسب أنصار هذا الاحتمال فإنّ الوقت لا يزال يتيح لبعض المناورات قبل اعلان الموافقة على قانون الـ15 دائرة وفق النسبية الكاملة، على أن يجري تحديد موعد إجراء الانتخابات، وعندها سيعمد رئيس الجمهورية الى فتح الدورة الاستثنائية والتي سيتمّ تحديد جدول اعمالها بحيث تتضمّن إقرار القانون الجديد للانتخابات.

وحسب هؤلاء فإنّ موعد اجراء هذه الانتخابات يجب أن يحصل قبل نهاية هذه السنة، وبالتالي التمديد لأشهر معدودة للمجلس النيابي وليس لسنة كاملة مع ترجيح حصولها نهاية تشرين الثاني بعد أن تكون هذه الحكومة قد أقرّت التلزيمات النفطية منتصف الشهر نفسه.

أما الاحتمال الثاني فيتمثّل بوجهة نظر تبدو واثقة من أن لا حظوظ جدّية لولادة قانون جديد للانتخابات في ظل جنوح عدد من القوى الحزبية والسياسية في اتجاه إجراء الانتخابات وفق القانون المعمول به حالياً. ووفق هؤلاء فإنّ العراقيل ستظهر في استمرار حتى نفاد الوقت واضطرار رئيس الجمهورية للدعوة الى إجراء الانتخابات تجنّباً للتمديد السياسي.

ويعتقد انصار وجهة النظر هذه أنّ المصلحة السياسية مؤمّنة للقوى السياسية الكبرى وسط ظروف صعبة ومستجدّة، وهو ما يضمن لها النتائج سلفاً في حال نسّقت تفاهمات سرّية في ما بينها.

ذلك أنّ المال السياسي لم يعد متوافراً لإستخدامه في الانتخابات، أضف الى ذلك الواقع الجديد للساحة المسيحية، خصوصاً بعد وصول عون الى رئاسة الجمهورية، فيما أظهرت الانتخابات البلدية فجوات عدة يجب الأخذ بها وضمان عدم تأثيرها على تشكيلة المجلس النيابي المقبل.

كما أنّ هذه الساحة المسيحية والتي تمرّ في مرحلة انتقالية لا بد من تركيزها وتحضيرها للاستحقاق الرئاسي المقبل من خلال انتخابات نيابية مضبوطة جيداً وهو ما لا يضمنه سوى قانون الستين.

لذلك فإنّ الفوضى باتت تعمّ الساحة السنّية وسط شهوات مفتوحة وبروز زعامات تطمح لرئاسة الحكومة أو لتركيز زعامتها الواسعة، ما يعني أنّ التخفيف من تأثيرات هذا الواقع لا يكون من خلال انتخابات وفق النسبية تكرّس نتائجها التنوّع والتعددية، بل من خلال قانون تعزّز تحالفاته التوازنات الحالية. ولا حاجة للتذكير بموقف النائب وليد جنبلاط من قانون الستين.

وفي معرض تأكيدها لوجهة نظرها، تكشفت هذه الاوساط عن معلومات تفيد أنّ باسيل نجح في تثبيت ثلاثة تفاهمات انتخابية منفصلة، واحدة مع «المستقبل» وثانية مع «حزب الله» وثالثة مع الأرمن، وهو ما يعني في المحصلة إقفال الساحة الانتخابية، وفي مقابل مفاوضات تدور في الكواليس بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» حول تعاون انتخابي في بعض الدوائر مثل زحلة على سبيل المثال.

ووضعت هذه الأوساط ردّات فعل رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في إطار القلق من حصول هذا الاحتمال. فجعجع الذي أبدى تفاؤلاً مبالَغاً فيه إزاء قانون الـ15 دائرة إنما كان يعمل على «إطلاق النار» أمام باسيل لتضييق هواجسه وانتزاع موافقته على المشروع المطروح. فأوراق باسيل في قانون الستين باتت اكثر بكثير من أوراق جعجع.

لذلك مثلاً باشر جعجع سياسةً إنفتاحية على برّي وتعزيز اتصالاته مع الرئيس سعد الحريري وفتح خياراته الأخرى للحدّ من أيّ تفاهم انتخابي قد يأتي على حساب حصّته فيما لو ذهبت الامور في هذا المنحى.

وجعجع الذي يحسب أنّ «الستين» قابلٌ للتطبيق فجأةً سيعمد من الآن وحتى 10 أيام حداً أقصى إلى اختيار قائمة مرشحيه في المناطق. وهو في الأساس أعلن ترشيحات وفق منطق مفهوم «الستين» في البترون وفي بعلبك - الهرمل، خصوصاً أنّ مرشحي النسبية يختلفون عن مرشحي «الستين»، ما يعني أنّ جعجع يحسب أنّ «الستين» هو الخيار الغالب.

ويختم أنصار هذا التوجّه بالقول إنّ المواقف الإيجابية المعلنة يبقى هدفها إعلامياً وتسويقياً الظهور في موقع «ضحايا الستين» وترتيب الحملات الانتخابية وفق ذلك فيما بعد.

أيٌّ من وجهتي النظر هي الصحيحة؟ ما من شك أنّ الجواب لم يعد بعيداً.