يشير البيان الختامي الصادر إثر زيارة الرئيس الأميركي للمملكة العربية السعودية، إلى أنّ هناك نيةً لمواجهة الخطر الإيراني وأذرعه في المنطقة، من «حزب الله» إلى النظام السوري. وما أنكر الرئيس الإيراني المنتخب للمرة الثانية روحاني وجود أجواء عاصفة. إذ بعد أن أكد على إرادة إيران إقامة علاقات حسنة مع الجوار، عاد للتهديد بأمرين: الاستمرار في إنتاج الصواريخ الباليستية، وأنّ مشاكل المنطقة لا حلَّ لها من دون مشاركة إيران. وهو بذلك يقول إنّ لإيران يداً طولى في مشكلات المنطقة، لذا لا حلولَ بدونها! والصواريخ الباليستية تعني أنها بديلٌ عن السلاح النووي، والمقصود بها تهديد الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب العرب الذين يهاجمهم الإيرانيون بالفعل.
ففي البحرين تبين أنّ هناك مؤامرةً على أمن البلاد كانت تجري في بلدة الرزاز. وفي اليمن رفض الانقلابيون مقابلة المبعوث الدولي القادم للتحدث معهم في صنعاء. وذكر ولد الشيخ أحمد الجدول الذي يتصوره للتفاوض: تسليم مدينة الجديدة من جانب الانقلابيين للدوليين حتى لا تخرب، ولا تستمر معاناتها من الأزمة الإنسانية، وحل مشكلة الرواتب للموظفين، وفرض هدنة في رمضان لتسهيل وصول المساعدات، ومواجهة وباء الكوليرا.
وفي سوريا يستمر الإيرانيون وميليشياتهم في الزحف باتجاه معبر التنف في المثلث الحدودي الأردني العراقي السوري، رغم معرفتهم بوجود جنود أميركيين وبريطانيين في المنطقة سبق أن حرروها من «داعش».
وفي العراق اختار الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» إحياء العمليات في الأنبار بحجة وجود جيوب لـ«داعش»؛ بينما يعلن «الحشد» عن إرادته التقدم باتجاه التنف من جهة العراق، لملاقاة حلفائهم الأسديين والإيرانيين على الحدود الأردنية.
وتشير التصريحات القليلة الأميركية والروسية، بعد زيارة لافروف للولايات المتحدة إلى نوعٍ من الجمود في العلاقة بشأن سوريا، باستثناء التنسيق لعدم تصادم الطيرانين.
وفيما بين أستانة وجنيف ما حصل تقدمٌ في تثبيت وقف إطلاق النار في مناطق خفض التوتر الأربع في سوريا. ويقال إن هناك محادثات بين الإيرانيين والأتراك حول ذلك، ولا شكّ أنه يتناول المناطق الأدنى للشمال السوري حيث يتواجهُ الطرفان. أما في جنيف فإن دي مستورا يتحدث عن كيفيات الإعداد لكتابة الدستور السوري، ولا يتحدث أبداً عن الانتقال السياسي كما هو المفروض. وهذا معنى ما ذكره البيان الختامي السعودي الأميركي حول الحل في سوريا بالتأكيد على بنود إعلان «جنيف-1» وليس غيره.
إيران مصرة على الاستمرار بالتخريب في اليمن، وعلى انتزاع منطقة نفوذ لها في سوريا من حمص إلى القلمون ودمشق، ثم باتجاه درعا والحدود السورية الأردنية العراقية. وإلى عملياتها في البحرين والسعودية، هناك تحرشاتها البحرية في البحر الأحمر وبحر العرب وبحر عُمان. وهكذا فالسياسات الهجومية التي بدأتها إيران عام 2003-2004، من العراق وإلى ما وراءهُ في غرب الفرات وإلى البحر المتوسط من جهة، ومضيق هرمز والبحر الأحمر وامتدادات المحيط الهندي.. مستمرة. إذ يعتقد الإيرانيون أنهم حقّقوا مكاسب أيام أوباما وهم لا يريدون التخلي عنها، بل يرغبون -وقد تحالفوا مع الروس– في أن يجري تثبيتُها باعتبارها مناطق نفوذ، بل مناطق إحتلال واستيطان؛ وبخاصةٍ بعد أن نجحوا في ذلك بلبنان، إلى حدّ اعتبار الجيش اللبناني حليفاً ورديفاً لهم في المناطق التي أخْلَوها للتوجه إلى الجنوب السوري، وتخوم جبل الدروز أو جبل العرب، بعد أن تعذر عليهم الاستقرار في الجولان!
كانت الولايات المتحدة حتى في عهد ترامب شديدة الحذر. وهناك حادثان قد لا يشكلان تحولاً: الغارة على مطار الشعيرات بعد الكيماوي في خان شيخون، والغارة الغامضة عند معبر التنف والتي يبدو أنه كان المقصود منها منع الأسد وحلفائه الإيرانيين من التقدم نحو المثلث المذكور. وإلى هذا الحذر العسكري، هناك الشائعات عن عقوبات ستفرضها وزارة الخزانة الأميركية على لبنان وقطاعه المصرفي للحيلولة دون استمرار عمليات التهريب وغسيل الأموال من جانب «حزب الله».
فهل تشكّل القمم التي جرت بالمملكة، والبيان الختامي، تحولاً للجهتين: جهة العرب، وجهة الأميركيين؟ وكيف سيواجه الطرفان إيران وميليشياتها ومناطق نفوذها؟ وماذا ينبغي عمله لحسم المشكلة اليمنية؟ وكيف يواجهون التهديد للأردن، والضعف اللبناني؟ وكيف ينبغي التفكير بالعراق بعد «داعش»؟ وهل يمكن الحديث الجماعي مع الروس أخيراً بشأن سوريا؟ كل هذه أمورٌ ما عاد يمكن تأجيلها وسط الهجمة الإيرانية المستمرة.


 
 "الاتحاد"