أكثر من طبيعية الاجواء في جنوب لبنان. يعمّ الهدوء على طول الخط الحدودي بين لبنان والأراضي المحتلة، من الناقورة إلى كفر كلا. في ظلّ هذا الهدوء، زار وفد نيابي لبناني الشريط الحودي لمناسبة عيد المقاومة والتحرير، واللافت كان مشاركة النائب فادي كرم من القوات اللبنانية في الجولة. حتى أجواء المواطنين الجنوبيين لا توحي بأن هناك ما يدعو للخوف أو القلق، يوزّعون الحلويات احتفاءاً بيوم التحرير. ويؤكد أن لا شيء يدعو إلى القلق أو الخوف من التهجير القسري مجدداً. بخلاف التوترات الإقليمية السابقة، كان الجنوبيون لدى تصعيد الخطابات بين المحاور المتصارعة، يتخوفون من اندلاع حرب ومغادرة منازلهم، هذا الشعور يغادرهم اليوم، لربما وجود ساحات قتال غير لبنان هو عامل اطمئنان لهم. بالتالي، فإن أي مواجهة مرتقبة محتمل حدوثها، قد تكون خارج الجنوب اللبناني، وفي الجنوب السوري.

غابت الدوريات الإسرائيلية نهاراً، لكنها تتحرك ليلاً في الأراضي المحتلة، مرحلة إسقاط حزب الله الكترونياً لإحدى طائرات الاستطلاع يبدو أنها أُسدلت، لكن لا شك أن ثمة اجراءات أمنية مشددة مشهودة في تلك المنطقة، سواء أكان من جانب الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل. في تشخيص للوضع التصعيدي القائم، يختصر مسؤول بارز لـ"المدن" أن المرحلة لعرض العضلات، من قبل جميع الأطراف. وهذا طبيعي أن ينسحب على حزب الله والعدو الإسرائيلي. ولا يعني وجود إطار معين للحرب. لكن لا شك في أن هناك تخوفاً من أن ينزلق عرض العضلات هذا إلى مواجهة ما. وفي هذا السياق تشير مصادر متابعة لـ"المدن" إلى أن قوات اليونيفيل تتحسب لأي احتمالات، وتقول إن قوات الطوارئ طلبت من الجيش اللبناني تعزيز وجوده ودورياته في الجنوب. وهذا ما حصل.

من ضمن المعطيات الميدانية، لا يوجد خوف من حصول عدوان. لكن، في أي لحظة يمكن أن تتدحرج الأمور لحصول أي عمل عسكري من دون تحديد شكله ونوعيته. ولكن حتى في العام 2006، وبحسب تقديرات الحزب الداخلية، لم يكن يتوقع أن عملية خطف الجنديين الإسرائيليين ستؤدي إلى الحرب المفتوحة. وهذا ما أكده السيد نصرالله بعبارته الشهيرة "لو كنت أعلم"، وكان يتوقع حزب الله أن يقتصر الرد على ضربات معينة. ولكن ما حصل هو نتيجة لخطة إسرائيلية موجودة لشن الحرب، واتخذت من عملية الأسر ذريعة لذلك.

المناخ السياسي العام، والتصعيد الموجود، يفسح المجال أمام حصول أي تطورات دراماتيكية. فما حصل في البحرين، بالنسبة إلى حزب الله يشير إلى أن هناك قراراً بالتصعيد. وهذا لا يمكن أن يبقى داخل حدود البحرين. وكذلك لا يمكن أن ينحصر في سوريا. في لبنان جو غير مستقر وغير مريح. وفي ظل هذه الأجواء، يصبح تسلل التوتر أسهل. وهذا التصعيد لاقها تصعيد مقابل من نصرالله الذي رفع من نبرة الحزب ضد دول الخليج، وضد الولايات المتحدة. كما أن أكثر من مسؤول وقيادي في حزب الله، يؤكد الاستعداد لأي احتمال قد يحصل.

الاجواء السياسية والديبلوماسية لا توحي بالهدوء. كم هائل من التحليلات والتقديرات، التي تتحدث عن إرتفاع نسب التصعيد بعد جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنطقة. لكن ذلك أيضاً، يمكن أن يبقى بعيداً من لبنان، وتحديداً في سوريا، التي تشهد حدودها الجنوبية الشرقية حملات تحشيد من كل الأطراف. وأي ضربة قد يتم توجيهها إلى حلفاء إيران في المنطقة، قد تكون في سوريا، فيما لبنان سيبقى عرضة لذلك، إذا ما حصلت أي تطورات دراماتيكية غير محسوبة. وحينها قد تنتقل الشرارة من سوريا إلى لبنان، إذ ثمة من يعتبر أن الضربات قد توجه إلى خطوط الإمداد الرئيسية بين لبنان وسوريا.