شتّان ما بين زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى السعودية وزيارته الى إسرائيل.
 

في الزيارة الأولى استُقبل بحفاوة لا تحصل إلّا نادراً في تاريخ العلاقات بين الدول، وقفل عائداً منها بعقود وصفقات ضخمة واستثمارات مباشرة وأخرى غير مباشرة تشكل سابقة تاريخية يمكن أن تخلق ما يقارب المليون وظيفة أميركية مباشرة خلال السنوات الأربع المقبلة وملايين الوظائف غير المباشرة.

أمّا في مطار بن غوريون في إسرائيل، فكان الاستقبال هزيلاً مقارنةً مع الاستقبال السعودي، وسط فوضى وبلبلة داخلية أثارها ما كان يعتزم عدد من الوزراء القيام به بالتهرّب من المشاركة في الاستقبال الرسمي على أرض المطار، بحجة أنّ الوقت المخصّص ليس كافياً لكي يصافح ترامب جميع أعضاء الوفد الرسمي، والأهمّ أنّ ترامب ترك إسرائيل من دون أيّ إنجاز سياسي معلَن على الأقل، مكتفياً بإشارات وتسريبات بأنّه جاد في إنجاز تسوية سلمية فلسطينية - إسرائيلية.

وفيما كان ترامب يتنقل بين السعودية وإسرائيل، كانت الانباء تصله من واشنطن حول وجود اتهامات له بمحاولة إخفاء أدلّة عن تواطؤ حملته الانتخابية مع روسيا من خلال طلبه الصريح من اثنين من المسؤولين الأمنيين الكبار إصدار نفي رسمي لهذه الاتهامات، وهو ما رفضه هذان المسؤولان.

وترافق ذلك مع إعلان المستشار السابق للأمن القومي مايكل فلين رفضه تسليم وثائق للجنة التحقيق المنبثقة من مجلس الشيوخ، ما عزّز الشكوك حيال التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

هذا المناخ الضاغط في واشنطن كان يدفع بالرئيس الأميركي لمضاعفة جهود اقتناص أوراق النجاح بغية توظيفها لاحقاً في النزاع الأميركي الداخلي القائم.

ففي الرياض سوّق ترامب لعلاقة جديدة على اساس استعادة التوازن مع إيران في الشرق الأوسط وساحاته الملتهبة، وهذا التوازن في حال استعيد سيفتح الأبواب لمزيد من العقود العسكرية والتسليح والتذخير مستقبلاً، وهو ما سيتكفّل به «الناتو» العربي عند تشكيله.

وكذلك فإنّ ترامب بدا صديقاً لكل الدول الإسلامية المشاركة وهو أمر كان من المستحيل أن يحصل مع دولة أخرى غير السعودية. كما أنّ المناخ العام كان عدائياً ضد إيران ومشجِّعاً لتسوية فلسطينية - إسرائيلية ومتسامحاً إزاء النزاع العربي - الإسرائيلي التاريخي.

بهذه الاوراق وصل ترامب الى إسرائيل محاوِلاً انتزاع تأييد صريح لجهوده.

وفي وقت بدت «سلّتُه» خالية من أيّ اشارة رسمية أو علنية مؤيّدة له من جانب الحكومة الإسرائيلية، تحدّثت مصادر ديبلوماسية أميركية عن أنّه تفاهمٌ مع بنيامين نتنياهو ومحمود عباس على وضع مبادئ محدَّدة تصلح لإطلاق العملية السلمية وفقها على أن يلتزمها الإسرائيليون والفلسطينيون وأن تبقى بعيدة من التداول الاعلامي ضماناً لنجاحها.

وتضيف هذه المصادر أنّ ترامب بدا مصرّاً على الاستعجال في البدء بالمشاورات لوضع بنود هذه المبادئ موضع التنفيذ للاستفادة من الدفع الممتاز الذي أنتجته زيارته الرياض، على أن يتولّى هذه المهمة، بالإضافة الى صهره جاريد كوشنير، المبعوث الرئاسي جيسون غرينبلات الذي رافق ترامب في زيارته وكان أجرى جولة محادثات منذ ثلاثة اسابيع.

وحسب المصادر نفسها، فإنّ غرينبلات سيعود الى المنطقة الاسبوع المقبل للبدء بمهمته بعيداً من الاعلام.

ترامب الذي لمس عدم التجاوب الإسرائيلي حرص على عدم التفوّه، ولو لمرة واحدة، بعبارة الحلّ على اساس الدولتين والذي ترفضه الحكومة الإسرائيلية. لكنّ الرفض الإسرائيلي الذي لم يجهر به نتنياهو في وضوح خشية الاصطدام بترامب المحاصر بالفضائح في بلاده، بدأ يظهر بأشكال عدة وعبر اللوبي اليهودي نفسه داخل الولايات المتحدة الأميركية. ويكفي ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» بالعنوان العريض أنّ «ترامب في طريقه لإحباط نتنياهو واتباع سياسة اسلافه».

وحسب هذه الصحيفة فإنّ ترامب، في نظر الإسرائيليين، ماضٍ في إلتزام السياسة الأميركية القديمة، وأنّ الإسرائيليين يحضّون نتنياهو على مواقف أكثر صراحة.

ولا تبدو المصاعب في وجه ترامب منحصرة بإسرائيل فقط. ففيما كان عشرات من قادة العالم الإسلامي مجتمعين مع ترامب في الرياض، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتغيّب عن القمة ويحتفل بعودته الى صفوف حزبه رئيساً له بعدما اتاحت له التعديلات الدستورية بذلك.

بالتأكيد كان أردوغان قادراً على تأجيل احتفاله والذهاب الى الرياض عوض الاكتفاء بإرسال وزير خارجيته جاويش أوغلو، لكنه كان يُعبّر عن انزعاجه الشديد من فشل زيارته لواشنطن حيث دام لقاؤه مع ترامب عشرين دقيقة فقط، نصفها خُصِّص للترجمة وهو ما يعني توقّع المشكلات في شمال سوريا.

وكذلك فإنّ اعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني لولاية رئاسية جديدة في إيران يضع أوروبا على طرف نقيض مع السياسة الأميركية. ففيما كان ترامب يهاجم إيران بعنف كان المسؤولون الاوروبيون يظهرون إشادتهم بفوز روحاني.

أما روسيا التي سعت لعقود بهدف تنشيط مصانعها العسكرية، فلا شك في أنها بدت منزعجة من «الناتو العربي» على رغم أنّ واشنطن وجّهت اشارة طمأنة لموسكو.

ففي الموازنة الأميركية الجديدة اقترحت وزارة الدفاع الأميركية استبدال المنح العسكرية المجانية التي كانت تقدم لبعض الدول بقروض ميسرة، وذلك بعدما تمّ تقسيم هذه الدول بين الحلفاء الذين سيبقون يستفيدون من هذه المنح مثل إسرائيل ومصر، وبين الاصدقاء الذين سيستفيدون فقط من القروض الميسرة والتي أُدرجت فيها أوكرانيا.

وكان معبّراً أن تنقل وكالة «تاس» الروسية عن رئيس دائرة الاستخبارات في وزارة الدفاع الأميركية فنسنت ستيوارت أنّ أوكرانيا هي شريك ولكنها ليست حليفاً لبلاده.

لكنّ «استعادة التوازن» ستعني اشتعالاً قريباً لساحتين أساسيتين: اليمن وسوريا. في اليمن ستصبح الحرب أكثر عنفاً وستخرق خطوط حمر كانت لا تزال موجودة ومحترمة. وفي سوريا ستكون الجبهة الجنوبية الاكثر عنفاً، خصوصاً عند المثلث السوري - الأردني - العراقي حيث تريد دمشق ومعها إيران تأمين ربط الطريق البرّية بين سوريا والعراق.

ووفق العنوان نفسه، لن يشذّ لبنان عن الصورة التي تنتظر جبهات سوريا ولو ساد القتال السياسي بدلاً من القتال الميداني.

وفيما ستختصر كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مساء اليوم صعوبة المرحلة المقبلة ما جعل البعض يصف كلمته بـ«النداء التاريخي» أكثر منه محطة خطابية، بدا لبنان أنه ينزلق اكثر فأكثر في اتجاه المجهول.

صحيح أنّ رئيس الجمهورية قرّر أنه في ظل عدم التوصّل لقانون جديد للانتخابات سيعمد في 19 حزيران، ووفق ما يجيز له الدستور، الدعوة الى الانتخابات وفق القانون القائم، لكنّ المأزق يبدو أبعد.

ففي ظل رفضه القبول بأيّ تمديد لمجلس النواب ولو لدقيقة واحدة وحتى ولو كان تمديداً تقنياً لمدة ثلاثة اشهر لمواكبة المرحلة الفاصلة عن 17 أيلول، موعد اجراء الانتخابات، فإنّ الفريق الشيعي يبدو رافضاً في المطلق أيَّ فراغ للمجلس النيابي ولو لثانية واحدة. ويمكن تفسير كلام الوزير جبران باسيل عن واقع جديد بدءاً من 20 حزيران من هذه الزاوية.

وعندها مثلا لا بد من طرح السؤال: هل سيقتصر الفراغ على مجلس النواب أو سيطاول مجلس الوزراء؟ وإذا ما حصل ذلك هل تبقى الانتخابات النيابية في 17 أيلول قائمة، ام نكون دخلنا في طريق آخر؟ وهل اصبحت الظروف الاقليمية مؤاتية للمؤتمر التأسيسي؟

مناسبة طرح هذه الاسئلة أنّ النزاع الاقليمي الذي سيتصاعد والذي سيحمل عنوان استعادة التوازنات الاقليمية سيجد في المآزق الدستورية ظرفاً مناسباً لإنهاء النفوذ والحضور السياسي لهذا الطرف الاقليمي أو ذاك.