ما هي الفروقات بين الرئيسين الأميركيين السابق والحالي وهل ثمة تباينات فعلية في السياسة الخارجية الأميركية؟
 

من المغالطات التي شاعت في الأوساط السياسية العربية والتي تم الترويج لها بشكل واسع من قبل الوسائل الإعلامية وتولى العديد من الصحافيين في المنطقة التعاطي معها بطريقة تجافي الحقيقة وهي أن هناك تناقضًا كبيرًا وواضحًا في السياسة الخارجية بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإدارة السابقة برئاسة باراك أوباما الذي سلك سبيل الإنكفاء عن الساحات المشتعلة في العالم وخصوصًا في منطقة الشرق الأوسط والتعاطي السلبي مع أزمات هذه المنطقة ما زاد من لهيب الحروب والمعارك الدائرة في العديد من الدول وخصوصًا في سوريا والعراق واليمن وغيرها، مما افسح المجال للدخول الإيراني على خط أزمات هذه الدول دون أن يلقى أي معارضة أميركية أو دولية لدرجة أن بعض المسؤولين الإيرانيين وصل بهم الأمر للتباهي بأن إيران تمسك بمفاصل أربع عواصم عربية وتتحكم بسياستها وهي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت وأن حدود إيران هي البحر المتوسط فيما الولايات المتحدة الأميركية لا تحرك ساكنًا وأخذت دور المتفرج على هذا الهجوم الإيراني بإتجاه الساحات العربية الذي استخدم الأدوات المسلحة حينا من خلال الدعم المباشر لميليشياته وتنظيماته عسكريًا وماليًا أو بإستخدام الوسائل السياسية والبراغماتية حينًا آخر. 

إقرأ أيضًا: من إنتخاب روحاني إلى زيارة ترامب
أما الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب فإنه اعتمد سياسة مغايرة تمامًا لسياسة أوباما وبادر إلى التدخل المباشر في أزمات المنطقة منتقدًا سياسة سلفه الرئيس السابق وفي أول تحد له اقدم النظام السوري على إستخدام السلاح الكيماوي في بلدة خان شيخون مستهدفًا المدنيين، ولم يطل الرد الأميركي حيث أعطى الرئيس ترامب - وإثباتًا لصدق وعوده بإنتهاج سياسة مغايرة لسياسة سلفه - أوامره للبحرية الأميركية المرابطة في البحر المتوسط للرد على التحدي السوري فأطلقت تسعة وخمسين صاروخ توما هوك مستهدفة مطار الشعيرات العسكري الذي انطلقت منه المقاتلة السورية المحملة بالسلاح الكيماوي المحرم دوليًا والقته على رؤوس الناس في خان شيخون. 
وفي قراءة متأنية للسياسة التي بدأتها الإدارة الأميركية الجديدة وللسياسة التي اعتمدتها الإدارة السابقة تجاه قضايا وأزمات المنطقة فليس هناك أي إختلاف في المضمون وإن كان هناك ما يبدو بعض التباين في الشكل سيما وأن الإستراتيجيات الأميركية الخارجية الكبرى لا يضعها الرؤساء ولا اداراتهم وإنما يتم صناعتها في الغرف السرية المغلقة التابعة لوكالة الإستخبارات ويشارك في صناعتها كبرى المنظمات والشركات الإقتصادية والبترولية التي تتحكم ببورصة العملات والأسواق التجارية العالمية وإن كان للرئيس مساحة محدودة لاتخاذ القرارات التي تحتاج في معظمها لموافقة الكونغرس الأميركي. 
ويسجل للرئيس السابق أوباما تحقيق الإنجاز الكبير وهو ما عجز عنه اسلافه السابقين بالتوصل مع إيران إلى توقيع الإتفاق النووي والذي فرض عليها تأجيل العمل في برنامجها النووي لمدة خمسة عشرة عاما على أقل تقدير مع بقاء سيف العقوبات مسلطا فوق رؤوس الإيرانيين لإستخدامه عند حصول أي خلل في تطبيق الإتفاق وعندما تدعو الحاجة لذلك. 
وإن أحدا لا يستطيع أن ينكر هذا الإنجاز الكبير الذي حققه أوباما في منطقة الشرق الأوسط وفيه خدمة واضحة للسياسات الأميركية الخارجية والمشروع الإسرائيلي الهادف إلى فرض الهيمنة والسيطرة على بلدان المنطقة وإيجاد أسواق مستهلكة لصناعاتها. 

إقرأ أيضًا: حرب أميركية على داعش وحزب الله
والرئيس الحالي ترامب فإنه بزيارته إلى المملكة العربية السعودية والقمم التي عقدها مع حكام المملكة وحكام الدول الخليجية والقادة والزعماء العرب والمسلمين فقد تمكن من توقيع إتفاقيات وصفقات سلاح واستثمارات قاربت ال 420 مليار دولار لضخها في الصناعات الأميركية متعهدًا لهذه الدول أن يبيعها ما تحتاجه من السلاح لمحاربة الإرهاب مقابل تأمين الحماية لها من اي عدوان خارجي للحفاظ على أنظمتها، وهذه تعتبر أكبر صفقة في هذا العصر وبالتالي تعتبر إنجازًا كبيرًا حققه الرئيس ترامب للشعب الأميركي ولرفاهيته. 
وعليه فليس هناك من تناقض بين الإدارات الأميركية تجاه قضايا وأزمات المنطقة وبالأخص المنطقة العربية. 
وأما ما يبدو تناقضًا أو تباينًا فهو ليس أكثر من تغيير الوسائل بما يتلائم مع ظروف المرحلة وبما يخدم المصلحة الأميركية والإسرائيلية مما يؤكد على أن سياسة ترامب هي استكمال لسياسة أوباما في المنطقة وليست نقيضًا لها.