القمة التاريخية التي نجحت في الرياض غيرت العالم العربي الآن، فقد كان المشروع الإيراني يطمح في النهاية إلى قلب النظام في الشرق الأوسط من مركزية الرياض إلى مركزية طهران
 

لأول مرة يذكر الملك سلمان بن عبدالعزيز “إيران” علنا في كلمة تاريخية ألقاها في القمة العربية الإسلامية الأميركية، حيث قال بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن “إيران هي رأس الإرهاب العالمي”. وبالتناغم مع رأي الملك قال الرئيس ترامب في كلمته “على مدى عقود أشعلت إيران نيران النزاع الطائفي والإرهاب”، و“لا يمكن لدول الشرق الأوسط أن تنتظر القوة الأميركية لسحق هذا العدو نيابة عنها. سيكون على دول الشرق الأوسط أن تقرر شكل المستقبل الذي تريده لنفسها، لدولها ولأطفالها”، أي أن أميركا تبيع السعودية أسلحة للاستخدام وليس للتخزين.

المهم في هذه القمة التاريخية الإعلان عن تشكيل قوة مشتركة من 34 ألف مقاتل للاستخدام في العراق وسوريا عند الحاجة، وذكر “العراق” فهذا أيضا جريء ونادر ويحدث لأول مرة. فمن أين يأتي الإرهاب مثلا؟ جوهر المشكلة هو العراق. تريد أن تحكم بغداد بعمامة شيعية؟ كيف يمكن ذلك؟ العراق ليس شيعيا بل هو بلد متعدد المذاهب. تريد أن تحكم العراق بالمراجع الفرس؟ كيف يمكن ذلك والعراق عربي؟ ما العمل في هذه الحالة؟ لا يوجد حل سوى تهجير السنة وإبادتهم. النتيجة هي تحول السنة إلى وحوش ودواعش، لهذا فإن الحل يبدأ بالعراق وبعملاء إيران.

الشيعة ليس عندهم اعتراض على فساد الحكومة ويسعون إلى إصلاحات وفي حالة تذمر من الفساد، حتى أنهم هاجموا المنطقة الخضراء العام الماضي وهددوا بحرقها لكنهم يموتون في سبيل “حكم شيعي”، المهم عندهم ألا يهاجم أهل الأنبار منطقتهم الخضراء الفاسدة، المهم ألا يتذمر أهل الموصل. يرددون في أناشيدهم الشهيرة “حرية وحقوق إنسان عليّه انوب ما راضي” أو “حكم دولة علي لتصدّك تغيره” القتال لأجل المذهب وليس لأجل الحكومة الفاسدة. لقد نجح رجال الدين في تحويل الدولة إلى مذهب مقدس.

بسبب القمع الطائفي في العراق صار السنة يرون الأضرحة كـ“أوكار شريرة” مضاءة بزيت الأطفال السنة بعد خطفهم وحرقهم. أهل سامراء خصوصا ينظرون إلى ضريح الإمامين العسكريين كوحش برأسين من عالم الجحيم يمكن أن ينقضَّ على المدينة في الليل ويأكل أطفالها. هذا الشعور لم يكن موجودا في الماضي بل خلقته السياسة الإيرانية في العراق.

طاردوا سنة العراق لـ15عاما بحجة أنهم لا يحبون أهل البيت. ولا أعرف لماذا عليهم أن يحبوا أهل البيت؟ كل مواطن حر في ما يحب وفي ما يكره. ثم إن هذه الشخصيات التي يقدسها الشيعة ليست في الذاكرة ولا في الثقافة السنية ولا علاقة لهم بها. ما هي ضرورة محبتها أساسا؟ إضافة إلى أن البطش والتهميش والعمالة لإيران والطقوس الغريبة من لطم وكراهية للعرب وإثارة للأحقاد لا تشجع السنة على محبة الرموز الشيعية. لقد فكر السنة في التشيع بدافع الخوف قبل تحرك الملك سلمان بن عبدالعزيز وولده الأمير الشجاع محمد بن سلمان. لم يكن هناك أمل ولا معين ففكروا في الهجرة أو التشيع للنجاة بدمهم وأعراضهم وأموالهم. طالما الخيار كان بين داعش والتشيع بسبب الخبث الإيراني.


القمة التاريخية التي نجحت في الرياض غيرت العالم العربي، فقد كان المشروع الإيراني يطمح إلى قلب النظام في الشرق الأوسط من مركزية الرياض إلى مركزية طهران. هذا المشروع فشل نهائيا ويمكننا الوقوف على قبره اليوم بعد نجاح “قمة القمم” في السعودية التي رسخت مركزية الرياض في المنطقة. السعودية بلاد الحرمين وحجم اقتصادها هو الـ12 في العالم وتستحق هذه المركزية التي تمتعت بها لعقود طويلة.

بكل قلق كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مقالا بعنوان “مستعدون لإهداء السلام إلى المنطقة”، واصفا قمة الرياض بـ“السيناريوهات الخطرة” والطريف أنه يتهم السعودية بالتدخل في شؤون الدول الأخرى وهذه وقاحة غريبة، وكتب أيضا “لقد هدّد أحد المسؤولين السعوديين، أخيرا، بأنه “سيجرّ الحرب إلى داخل إيران”. إنني أعلن اليوم رسميا وباسم الحكومة الإيرانية أننا مستعدون لأن نهدي السلام إلی كل المنطقة، وإلى المملكة العربية السعودية قبل غيرها”.

وبمناسبة إعادة انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني لولاية ثانية قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون “ما أتمناه هو أن يستخدم روحاني فترة رئاسته الجديدة لإنهاء دعم إيران للإرهابيين وقوى زعزعة الاستقرار، كما نتمنى أن ينهي اختبارات الأسلحة البالستية وأن يعيد حقوق الإنسان لشعب إيران”، وكان رد روحاني في أول خطاب له بعد فوزه هو تمجيد الحرس الثوري الإيراني.

ذكر ريكس تيلرسون العراق بالاسم وقال بأن بلاده سـ“تكافح” دعم إيران للميليشيات الإرهابية في اليمن والعراق وسوريا. المهم أن تيلرسون وصف القمة السعودية بـ“التاريخية”، وقال “في مركز شراكتنا تقع أهدافنا الأمنية المشتركة، فأمن الأراضي الأميركية يدعمه أمن الأراضي السعودية”. المستقبل لا يبدو غامضا بالنسبة للميليشيات العراقية فقط، بل بالنسبة لحشود الزومبي السياسية وقطعانها الضالة في بغداد.

بعض العرب لا يفهمون المعنى العميق لكلمة الملك سلمان حين اتهم إيران بدعم الإرهاب. شيخ عشيرة البوجابر في الرمادي قبل عامين سألته مذيعة قناة العربية كم عدد المنتمين من عشيرتك إلى تنظيم داعش؟ فأجابها 600 مقاتل؟ قالت لماذا؟ فأجابها أغلبهم انتموا إلى التنظيم بسبب اعتقال نسائهم أو اغتصابهم أو اعتقالهم وتعذيبهم لأسباب كيدية فذهبوا إلى التنظيم للانتقام ولأخذ الثار. الإرهاب الطائفي في العراق شجع على انتشار الإرهاب الداعشي.

اتصلت بي طالبة من جامعة بغداد تقول بأنها تعيش مع جدها بعد أن اختطفت الميليشيات أباها وباعوا جثته المشوهة بيعا على أمها. وبسبب الخوف بقيت في البيت وتركت المدرسة بينما أخوها الشاب لم يستطع الاحتمال وتطوع في داعش للأخذ بالثأر حتى سمعت خبر مقتله في بيجي. تقول هي بريئة من أخيها وتتكلم كمختلة عقليا وتؤكد لي أنها سعيدة بمقتل أبيها وأخيها المهم أن يتركوها تعيش. لقد تم دفع السنة خارج حدود العاطفة والطبيعة البشرية. نساء الأنبار والموصل العزيزات المدللات في المخيمات اليوم يعانين من الجرب والحروق والقمل والعطش.

فتاة أخرى من الموصل كتبت لي رسالة بعد تحريرها وعودتها إلى الجامعة تقول كيف حال السرجخانة والمدينة القديمة؟ إنهم يأكلون الحشائش. هل هذا الذي كنت تنتظرينه من الدولة الإسلامية؟ هل أيدت المبدأ وتبرأت من الطريقة؟ أشعر بالذنب وأحسب نفسي مسؤولة عما يحدث. لا أستطيع النوم بشكل جيد. هل هذا بوح أم اعتراف؟ لا أعلم. ضبطت منبهي على الساعة الثالثة فجرا لأدرس واستيقظت ثم بحثت عن صفحتك على التواصل الاجتماعي وقرأت بعض كتاباتك فقررت كتابة رسالة لك. كنت قد أعددتها شفويا وكانت أفكارها مرتبة أكثر.

جرحنا عميق أستاذ أسعد كيف يمكن لهذه الثلمة في روحنا أن تلتئم؟ لقد خدعنا خليفة الله في الأرض وملأ أدمغتنا قيحا. هذه ليست مشكلتي فقط بل أرى هذا في كل الشباب الذين خرجوا من الموصل بهدف إكمال دراستهم. أستطيع تمييزهم فهم مكسورون وينظرون إلى أقرانهم نظرة توسل. إنهم يتوسلون أن اقبلونا بينكم من جديد. نحن مثلكم فقط عايشنا سنتين بأوضاع مختلفة عنكم. كنا نطيل اللحية ونسدل الطبقة الثانية من الخمار. بالمناسبة لا تزال كتابتك تصيبني بالسحر ولا يزال أعضاء صفحتك مثلما هم، لم يتغيروا حتى صورهم مثلما هي.

لم أستطع الإجابة على رسالتها وأجابها الملك سلمان بن عبدالعزيز بخطابه التاريخي. ليس ذنبها أنها بعمر الزهور باعها الإيرانيون وأوقعوا مدينتها في فخ الإرهاب. إنها تشعر بـ“العزل” وقمة الرياض أجابتها بأن الأطفال لا ذنب لهم والذي يستحق “العزل” هو الجنرال الخبيث قاسم سليماني والزعيم الخطير علي خامنئي.

 

أسعد البصري