وضع مرجعٌ لبناني يدَه على قلبه انتظاراً لما ستنتهي اليه قممُ الرياض في ظلّ الحرب المعلَنة على إيران و«حزب الله». وجاءت كل الوقائع لتعزِّز هذه المخاوف، خصوصاً في خطابَي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس دونالد ترامب، فضمّ تردداتهما المتوقعة الى «الفيتو» الذي حال دون مشارَكة رئيس الجمهورية في القمّة. ولذلك فقد توسّع المحيطون به في قراءة ما أثار المخاوف فلم يجدوا ما يكفي لتبريرها؟
 

على رغم المفاجأة التي أثارها صدور «إعلان الرياض» لدى الأوساط الديبلوماسية اللبنانية التي عبّر باسمها وزير الخارجية جبران باسيل عن ذلك في طريق العودة الى بيروت. فقد صدر هذا الإعلان خالياً من أيّ إشارة الى كثير من التفاصيل التي تناولتها خطاباتُ القمّة ولا سيما منها خطابا الرئيس الأميركي والعاهل السعودي في القمّة الأميركية ـ الخليجية الإسلامية.

ولم يظهر بوضوح أنّ جميع ممثلي الدول العربية والإسلامية كانوا على علم بـ «إعلان الرياض» الذي أُنزل عليهم في نهاية القمة فيما كان الجميع في احتفال تدشين «المركز العالمي لمكافحة الإرهاب». ولم يظهر ايضاً أنّ هناك من بين هؤلاء القادة مَن اطّلع على مضمون البيان الختامي للقمة أو أنهم شاركوا في صوغه ومناقشته. فقد أعلن عن انتهاء اعمال القمة قبل أن ينهي المشاركون فيها من قادة الدول ورؤساء حكوماتها كلماتهم التقليدية.

وعليه، فقد ظهر أنّ قلةً من رؤساء الدول وملوكها كانوا على علم بكثير من التفاصيل التي رافقت محادثات ترامب وأنّ بعضهم اطّلع على مضمون البيان الختامي لقمة الرياض الموسّعة والإعلان الذي حمل اسمها في الدقائق الأخيرة.

وبناءً على ما تقدّم، وبمعزل عن الكثير من الشكليات، فإنّ ما عبّرت عنه القمم والمواقف التي رافقتها من تطوّرات بالغة الدقة سترسي قواعد جديدة للإشتباك بين محورَي الحلف الدولي - العربي - الخليجي - الإسلامي وحلف الممانعة الذي تقوده روسيا ومعها حلفاؤها من طهران ودمشق وبعض العواصم الأخرى التي وإن لم تشاركه اللهجة والتصميم على المواجهة عينها فهي تتفرّج بلا موقف حاسم بين الحلفين الدوليَين وتغض الطرف عن مجريات ما تشهده الساحة السورية من عمليات عسكرية طاحنة.

ومن هذه المعادلة يقرأ المراقبون جديد القمّة الموسّعة لتقويم حجم المخاطر التي يمكن أن يتلمسها اللبنانيون أو تطاولهم حاضراً ومستقبلاً. فتوقفوا عند بعض الملاحظات التي عكستها الوقائع ومضمون البيان الختامي وإعلان الرياض فوجدوا فيهما كثيراً مما يُخفّض من منسوب القلق لدى اللبنانيين مقارنةً مع ما حظي به لبنان، وتحديداً في خطاب ترامب وبعض المواقف الأخرى على هامش القمّة.

ففي ظلّ الهجوم المبرمَج الذي لم يأتِ بجديد على إيران وحلفائها في المنطقة باللهجتين السعودية والأميركية فقد توقّف المراقبون عند إشارة ترامب اللافتة الى الجيش اللبناني ودوره في المواجهة المفتوحة مع الإرهاب ورهانه على دوره في مواجهة المجموعات الإرهابية على الحدود اللبنانية ـ السورية وفي الداخل.

وهو ما أوحى أنّ الفريق العسكري والأمني المحيط بترامب قد أطلعه على إنجازاتٍ كثيرة تحققت ووضعت المؤسسة العسكرية اللبنانية في مصاف المؤسسات المتقدِّمة التي تتعاطى معها الإدارة الأميركية قياساً على فشل المؤسسات الشبيهة في دول أخرى.

ولاحظ المراقبون أنّ ترامب استعار عبارات استخدمها اكثر من مسؤول أميركي في مناسبات عدة بعدما اقتبس فقرات من شهادات القادة الأميركيين المكلفين هذا الملف ولا سيما منهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور روبرت كوركر وقائد المنطقة الوسطى الجنرال جوزف فوتيل.

الأول عند زيارته الى لبنان في 22 آذار الماضي والثاني في 27 منه قبل أن يُدليا بشهادتَيهما أمام لجنة القوات المسلّحة في الكونغرس الأميركي ولجنة الشؤون الخارجية.

فقد كان واضحاً حجم الإهتمام في لجنة الشؤون الخارجية الأميركية بالوضع في لبنان ولن ينسى اللبنانيون الجولة الميدانية لكروكر على جبهات عرسال ورأس بعلبك معايناً المواقع وشكل المواجهة مع الإرهاب برفقة عدد من الضباط الأميركيين المكلفين التنسيق مع الجيش اللبناني وقائد اللواء التاسع آنذاك العميد جوزف عون قبل أيام من تعيينه قائداً للجيش. هذا بالإضافة الى ما عبّر عنه من دعم للجيش والمؤسسات العسكرية خلال زيارته لبيروت وامام الكونغرس.

وقارن المراقبون بين ما تضمّنته شهادة فوتيل وكلام ترامب خصوصاً في إشارة الأوّل الى حجم الخطر الإيراني بعدما وصفه بأنه «الخطر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط».

وجدّد مطالبته بالبحث في سبل مواجهة هذا الخطر لأنّ إيران تقوم بـ «نشاطات عسكرية عنيفة خارج حدودها» وتستغل «ضعفَ منطقة الشرق الأوسط لتحقق طموحاتها التوسّعية كما تفعل حالياً في سوريا، بالوكالة عن طريق ميليشياتها بالتدخّل المباشر أو بتسليح ميليشيات موالية لها(...) وعلينا أن نحاسب النظام الإيراني على هذه النشاطات». كاشفاً عن «رصد 300 محاولة اقتراب للزوارق الإيرانية من السفن الأميركية في بحر العرب العام الماضي كانت مثيرة للقلق بشكل كبير».

وفهم اللبنانيون أنّ الكلام الذي سمع في الرياض يعني دور إيران وحزب الله خارج لبنان ومتى وضعت الحدود لهذا الدور هناك، فهذا يعني أنّ لبنان سيكون في منأى عن هذه العقوبات التي يهدّد بها الحلف الجديد.

وأنّ الإشارة الى دور الجيش اللبناني والرهان عليه تعني نظرة أميركية الى «خصوصية لبنانية» ما زالت مأخوذة في الإعتبار، فلبنان دولة من دول الحلف الدولي ودوره قد يكون محصوراً بما يعني أراضيه وسلامتها فقط.