لم يتعب المحلّلون الديبلوماسيون والعسكريون في تحليل الغارة التي شنّتها طائرات أميركية تعمل تحت غطاء الحلف الدولي على قافلة سورية اقتربت من الحدود العراقية والأردنية. فالإنذار الأميركي كان واضحاً وقد تبلّغته موسكو ومفاده أنه ممنوع على قوات النظام وحلفائه الإيرانيين الإقتراب من هذه الحدود التي ستكون في عهدة ميليشيات المعارَضة التي يدعمها التحالف. فكيف ولماذا؟
 

كانت القافلة السورية تتّجه الى معبر التنف القريب من مثلث الحدود السورية ـ العراقية ـ الأردنية للسيطرة عليه بهدف استرداده من «جيش سوريا الجديد» الذي وضع اليد عليه في الخامس من آذار العام 2016 وكان المعبر الوحيد الواقع تحت سيطرة القوات السورية النظامية قبل أن تسيطر عليه «داعش» لفترة قصيرة بعدما ألغت كل الحدود بين العراق وسوريا في حزيران 2014 ووضعت يدها على كل المعابر بين البلدين.

ويعترف الخبراء العسكريون أنّ استرداد السوريين هذا المعبر يشكل خطوةً استراتيجية في المواجهة المفتوحة من المعارضة السورية والحلف الدولي فهو الأقرب والأسهل لإستعادته في محاولة لخرق التهديدات ألأميركية بمنع السيطرة على أيّ من النقاط الحدودية العراقية ـ السورية في إطار الخطة الجديدة التي كشفت واشنطن عنها أخيراً والقاضية بمنع وجود أيّ قوة توالي النظام على الحدود بين العراق وسوريا لقطع الطريق على الحضور الإيراني والقوى المتعاونة مع طهران ما بين بغداد ودمشق تمهيداً لإبعاد إيران من الملف السوري. وهو ما شكل نقطة خلاف كبيرة مع موسكو التي تراهن حتى الأمس القريب على حلفاء النظام التزاماً منها بتفاهماتها العميقة مع طهران ودمشق.

وفي التقارير العسكرية إشارة واضحة الى أهمية معبر «التنف» في ظل العوائق التي تحول دون استعادة النظام أيٍّ من المعابر الأخرى بين العراق وسوريا كما الأردن. فمعبر «اليعربية» على الحدود مع العراق في محافظة الحسكة يقع تحت سيطرة المقاتلين الأكراد.

ومعبر «البوكمال» في محافظة دير الزور والمعروف بمعبر «القائم» من الجهة العراقية تسيطر عليه جبهة «النصرة» ومجموعات أخرى من خليط العشائر والوحدات الدينية المتطرِّفة التي تسيطر على دير الزور وريفها الشرقي امتداداً الى عمق الأراضي العراقية بحكم انتشار العشائر نفسها.

ولذلك يبقى على النظام أن يضحّي لإستعادة معبر «التنف» المعروف بمعبر «الوليد» من الجانبين العراقي والأردني وهو الذي بقي حتى العام الماضي تحت سيطرة النظام قبل سيطرة «جيش سوريا الجديد» عليه فيما تسيطر العشائر السورية على الأراضي المحيطة به وامتداداتها في البادية السورية بين أراضي العراق وسوريا معاً.

هذا على مستوى الحدود العراقية - السورية. أما على الجانب الأردني فمعروف أنّ النظام قد فقد السيطرة على كل المعابر منذ أن وضعت «النصرة» يدها على معبر «نصيب» المعروف بمعبر «جابر» من الجانب الأردني عام 2014 والذي يقع في آخر النقاط التابعة لمحافظة درعا منشأ «الثورة السورية». علماً أنّ المعارضة في خليط من «جبهة النصرة» وكتائب إسلامية قد وضعت يدها على المعبر الآخر مع الأردن وهو معبر «الجمرك القديم» في درعا المعروف بمعبر «الرمثا».

وعلى ضوء هذه القراءة الجيو - عسكرية يمكن فهم حجم وأهمية العملية التي حاول السوريون القيام بها لإستعادة موطئ قدم على الحدود الجنوبية - الشرقية للبلاد مع كل من الأردن والعراق وكذلك بالنسبة الى العملية الأميركية لمنع هذه العملية بأيّ ثمن. فالمنطقة التي كانت تستهدفها العملية السورية وُضعت قبل أيام وفق الخرائط الأميركية من بين المناطق المحظورة على النظام لتعزيز الحصار عليه وحلفائه من الجوانب كافة العراقية كما الأردنية جنوباً والتركية شمالاً.

وعليه، يبدو جلياً أنّ واشنطن قد قرّرت منع أيّ تواصل جغرافي بين «سوريا المفيدة» التي يسيطر عليها النظام وحلفاؤه مع دول الجوار السوري ما عدا لبنان الذي كان وسيبقى شرياناً للتواصل بين سوريا والخارج. ليس من أجل رجال النظام وحلفائه ومسؤوليه فحسب، إنما من أجل تسهيل انتقال مسؤولي القوات الدولية والمسؤولين الأمَميّين العاملين في سوريا تحت إدارة الموفد الدولي ستيفان دوميستورا وفريق المراقبين الدوليين في الجولان السوري المحتل والفريق الدولي المكلَّف التحقق من تخلص النظام من أسلحته الكيماوية والمنظّمات الدولية والإقليمية الإنسانية العاملة على مساحة الأراضي السورية وهو أمرٌ حيوي لا يمكن تجاهله على الإطلاق.

والى هذه المعطيات كافة تكتسب العملية الأميركية أهمية خاصة من زوايا أخرى وأبرزها:

- التعبير عن النّية الأميركية بالتشدّد في التعاطي مع النظام وحلفائه ووضع مناطقه بين فكَّي كمّاشة أميركية ودولية من الجنوب والشمال وصولاً الى العمق العراقي في إطار السعي الى إسقاطه.

- قطع خطوط الإمداد البرّية على حلفائه الإيرانيين والمتعاونين معهم الى أن تتولّى المهمة القوات السورية المعارضة التي تستعد فور إنجاز مناورات «الأسد المتأهّب» في شمال الأردن للسيطرة على البادية السورية من الحدود الأردنية والعراقية الى محافظة دير الزور لتلاقي الوحدات الكردية في الحسكة و»قوات سوريا الديمقراطية» التي تتأهّب لدخول الرقة فيكتمل الفصل بين الحدود العراقية والسورية والأردنية نهائياً.

وبناءً على ما تقدّم، لم يعد هناك أيّ نقاش في أنّ «الطحشة» الأميركية التي بدأت بقصف «مطار الشعيرات» لقلب الطاولة على النظام وإيران بمبادرة شكلت إيذاناً بعودة واشنطن الى تقاسم النفود مع الروس في سوريا وإلغاء أدوار القوى الأخرى بما فيها إيران وحلفائها، مع العلم أنّ هذه العملية لن تكون نزهة، فالقرار الإيراني - السوري بالتصدي موجود وبأيّ كلفة.

وفي انتظار معرفة حدود الطحشة الروسية في دعم هذا الخيار أو التخلّي عنه ستبقى العمليات العسكرية للحلف الدولي والولايات المتحدة مستمرة الى أجَل غير محدَّد.