لا شك في أن لإعلان حزب الله الإنسحاب من عدد من النقاط في القلمون وجروده وتسليم هذه المواقع إلى الجيش اللبناني، أهدافاً إستراتيجية عديدة. هي بالتأكيد لا تتعلق بأي انسحاب للحزب في سوريا، إنما تشبه إعادة التموضع، والإنتقال من جبهات أصبحت هادئة، في اتجاه أخرى مشتعلة، وصراع النفوذ عليها لايزال مستمراً. وكعادته، فإن كل تحرّك يتخذه الحزب يكون له أكثر من هدف، فلهذه الخطوة أهداف متعددة. أولاً التخفيف عن كاهله من ثقل تلك الجبهات، وبالتالي نقل عناصره وعتاده من تلك المنطقة لتدعيم جبهات أخرى؛ ثانياً، الإستناد إلى الجيش اللبناني لحماية تلك المناطق الحدودية والقرى اللبنانية. وهذه بالمعنى الأوسع، ستحتّم بالنسبة إلى الحزب في ظل الحديث عن إمكانية إعادة اللاجئين إلى عدد من قرى القلمون، ستحتم فتح حوار مباشر وتنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية؛ وثالثاً والأهم، هي النقاط التي سينقل إليها الحزب عناصره وقواعده.

سيعزز الحزب من وجوده أكثر في سوريا، وهو لن ينسحب. يصبّ اهتمامه على منطقتين أساسيتين ومفصليتين في الصراع السوري. لم تكن إشارته قبل أيام إلى التحركات البريطانية والأميركية على الحدود السورية الأردنية ناجمة عن عبث. فهو يعلم أن لدى واشنطن والأردن أهدافاً أساسية بإنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري. بالتالي، لا يمكن القبول بوجود إيران والحزب في تلك المنطقة. والهدف الأبعد بالنسبة إلى واشنطن، هو قطع خطوط الوصل الإيرانية بين العراق وسوريا. لذلك، فإن الجميع يتسابق على السيطرة على تلك المنطقة والطرق المؤدية إليها.

قبل أيام، سقط لحزب الله قتيلان، بينهما قيادي بارز، في المنطقة المحيطة بتدمر، وهي المنطقة التي تربط حمص بالشرق السوري عبر البادية وصولاً إلى الحدود العراقية. هذه المنطقة ستكون في صلب معارك الحزب في الأيام المقبلة، إذ إن الحزب بدأ بإرسال تعزيزات عسكرية إلى هناك، ومن المنتقلين أولئك مَن غادروا مواقعهم في القلمون، لأن هدف المعركة هو قطع الطريق على أي تقدّم لقوى المعارضة المدعومة من واشنطن ولندن باتجاه الشرق السوري.

يريد حزب الله من خلال إرسال هذه التعزيزات، والتي يبلغ عددها نحو ألف عنصر، السيطرة على معبر التنف بين سوريا والعراق، وذلك لتأمين هذا الخطّ الإستراتيجي بالنسبة إلى إيران بين البلدين. وما سيسهم في تعزيز الحزب أكثر لتلك الجبهة، هو إنجاز "المصالحات" في القابون وبرزة، إذ يصبح قادراً على إرسال تعزيزات من العاصمة دمشق ومحيطها إلى البادية، ومن ريف حمص في اتجاه تلك المنطقة.

وسيتوجّه قسم آخر من مقاتلي الحزب، إلى الجنوب السوري، وتحديداً إلى محافظتي درعا والقنيطرة، لمواجهة أي تقدّم ستخوضه فصائل المعارضة في تلك المنطقة. وذلك بهدف تأمين محيط العاصمة دمشق من جهة، والإحتفاظ بأوراق ضغط إقليمية وخصوصاً على إسرائيل من جهة ثانية. فيما يبقى الهدف الأساسي والأبعد بالنسبة إلى الحزب وإيران من معركة المنطقة الشرقية ومواجهة داعش في دير الزور، هو إيصال رسالة أساسية إلى العالم، مفادها أنه السبّاق في قتال الإرهاب والتنظيمات الإرهابية. وكما أعلن مسبقاً القلمون منطقة آمنة بدون الحاجة إلى أي اتفاق دولي، فإن الحزب يسعى إلى خوض معركة ضد تنظيم داعش في دير الزور وهزيمته، للقول للعالم وخصوصاً للولايات المتحدة، إنه وإيران شريكان أساسيان في مواجهة الإرهاب.

كل ما يجري على الساحة السورية يدلّ على أن هذه المرحلة هي مرحلة إعادة التموضع، وقد تشهد فتح معارك جديدة، بالوكالة وإن لم تكن بشكل مباشر، خصوصاً بعد الدخول الأميركي على الخطّ. وهذه لا تنفصل عن بعض التحركات التي بدأت في إيران في اليومين الماضيين، سواء أكان في بلوشستان أم في خوزستان والأحواز، بالإضافة إلى استمرار الضغط على حزب الله.