ما هي المتغيرات المحلية والدولية التي تفرض على حزب الله تبني هذا الخطاب الهادىء؟
 

مختلف هو خطاب حزب الله هذا العام عن السنوات الماضية من حيث النبرة والمضمون.
بدأت تغيب عن خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لغة التهديد والوعيد لخصومه في الداخل وإستبدلها بلغة هادئة تدعو إلى الحوار والتلاقي والمزيد من الوحدة الوطنية والإسلامية في منطقة تشهد غليان مذهبي بين السنة والشيعة وباقي الأقليات.
فالخطاب الرسمي لحزب الله والذي يعبر عنه في أغلب المناسبات أمينه العام هو خطاب عالي السقف لا يخل من رسائل وتهديدات ولغة فوقية تخاطب بمنطق القوة وفرض الأمر الواقع، أما هذا العام فإختلفت الأمور جذريا وباتت التبريكات  بعد كل خطاب للسيد نصر الله   تأتي  من قبل خصوم متطرفين للحزب كالقوات والتقدمي الإشتراكي.

إقرأ أيضا : تدخل حزب الله في سوريا أساء لحسن نصر الله !

بوادر التغيير:

وإن كان الأمر ملفتا فهو للدور الكبير الذي بات يلعبه حزب الله على الساحتين المحلية والإقليمية.

فالتعامل مع تنظيم كالحزب لا يمكن أن يكون بمنطق محلي صرف بعيد عن دوائر  التأثير الإقليمية وحتى الدولية.
وربط هذا التغيير بالبعد الدولي والإقليمي مهم وطبيعي لكن بوادره كانت محلية صرفة بدأت من  لحظة تبني الرئيس سعد الحريري لترشيح ميشال عون للرئاسة وإيصاله فيما بعد.
ففي تلك اللحظة كان الحزب يستبعد هذا الخيار " المر " وإعتقد لوهلة أن الحريري لن يقدم على هذا الخيار الجريء والذي بموجبه تم إنتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية.
بعد وصول عون لقصر بعبدا أدرك حزب الله عدة حقائق وهي أن ميشال عون قبل الرئاسة مختلف كليا عن ما بعد الرئاسة، ولا يعني هذا نهاية التحالف بينهما لكن يعني أن ما كان يقدمه عون للحزب من زخم معنوي وسياسي وإعلامي سيتراجع وأن حجم هوة الإختلاف بينهما ستتسع وستصبح طبيعية مع الأيام كما هو حاصل اليوم.

إقرأ أيضا : الجماعات الأصولية تغرف من خزائن النصوص المقدسة
وعلى إثر ذلك، بدأ حزب الله بتقبل القوات اللبنانية كخيار مسيحي موجود  لها  تمثيلها  ودعا إلى التلاقي معها وأطلق عنوان جديد لمرحلة يبدو أن الحزب لا زال مقدما عليها وهي أن لا عداء نهائي مع أي طرف كان وهذا عنوان براغماتي بعيد عن أدبيات الحزب الإيديولوجية التي حتى الآن يرفض جمهوره الإعتراف بها.
هذا التقارب مع القوات وصل إلى حد نقاش أفكار " عصف ذهني " عن مشروع ورقة تفاهم جديدة تجمع بين حزب الله والقوات اللبنانية.
إضافة لهذا المتغير الجدي، كان هناك تلاقي من نوع آخر مع الهواجس الدرزية التي يمثلها وليد جنبلاط " الخصم  اللدود " للحزب، وهو تقارب إن كان من منطلق أخلاقي سياسي بالظاهر إلا أنه في العمق تعبير عن قلق موجود لدى الحزب من ضيق الخيارات الداخلية بعد   مرحلة وصول عون لبعبدا في ظل تصعيد جبران باسيل المستمر.

إقرأ أيضا : حزب الله وقرار العودة؟
ويريد الحزب تقليل الخصوم الداخليين بل تصفيرهم إلى أكبر حد، فينفتح على تيار المستقبل بحوار عين التينة ويمدح القوات علنا ويتفهم هواجس جنبلاط ولا يزعج الرئيس نبيه بري ويراعي خصوصية العهد الجديد على مضض.
وفي ظل هذه السياسة الجديدة المتبعة من قبل الحزب، جاء إعلان نصر الله الأخير عن الإنسحاب من السلسلة الشرقية من الجهة اللبنانية وتسليمها للجيش اللبناني.

 

 

العامل الخارجي:

لكن يبقى العامل الخارجي هو الأهم في هذه السياسة الهادئة.
فإسرائيل بدأت تصعد الحملة الإعلامية والنفسية إتجاه حزب الله وتهدد بالحرب في ظل خسارة الرهان على الرئيس دونالد ترمب الذي خيب توقعات الإيرانيين والروس حتى هذه اللحظة وما أنتجته سياسته في أول مئة يوم من قصف لقاعدة النظام السوري في الشعيرات وصولا لقانون العقوبات الإقتصادية الأميركية على حزب الله وحلفائه وليس إنتهاءا بالقمة الأميركية الإسلامية التي من المتوقع أن ينتج عنها قيام حلف أميركي إسلامي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

إقرأ أيضا : حزب الله يستعيد أمجاد المقاومة؟
وطرح ترمب خطة منذ وصوله للبيت الأبيض قوامها تقليم أظافر إيران بالمنطقة وتقليص نفوذها ومحاربتها بكافة الوسائل، وحزب الله يدرك ذلك ويعلم حجم الغضب الإسلامي والعربي عليه بعد دخوله في الحرب السورية وكيف تحول إلى مصدر تهديد بنظر العرب والمسلمين وهذا لن يخدمه في أي حرب مقبلة  أقله على المستوى الديبلوماسي والإعلامي.
لذلك يحبذ البعض فكرة أن حزب الله " يتواضع " في هذه الأيام تجنبا لأي إستفزاز ممكن أن ينتج عن تصرفاته حتى تمر هذه المرحلة على خير.

إقرأ أيضا : حزب الله والمشنوق الدولة لمن؟
وهو إختار طريق الهدنة والتواضع مع خصومه السياسيين وأعدائه في المنطقة  لا طريق السلام النهائي ولو إضطره الأمر أن يخاطب عدوه الأول في المنطقة بكلمة " الأمير " محمد بن سلمان وألحقها بهجوم "غير " حاد ضده وأرفقها مسبقا بعبارات تبريرية ك " هلق بيقولوا السيد بدو يعمل مشاكل " كأضعف الإيمان مع الصراع المتصل بفترة ما قبل متغيرات وصول عون لبعبدا إستجابة لرغبة جماهيرية ما زالت غاضبة من السعودية.
وبين الهدنة والسلام النهائي قد يضيع تقدير الموقف الصحيح لكن حقيقة واحدة تبين الأمر بوضوح وهي  أن حزب الله هو أولا وأخيرا منظمة جهادية قائمة على إيديولوجية الإسلام السياسي التي تكرس " البراغماتية "  وهي مرادفة ملطفة لمصطلح " التقية " في هذا العالم ، وهذه الحقيقة تثبت أيضا  أن المنظمات الجهادية من الصعب أن تتخلى عن سلوكياتها إلا في حالات الخطر الوجودي، فتتواضع وتتنازل وتنتظر القادم المتغير لتتأقلم معه.