اعتاد لبنان على انقلاب التحالفات فيه رأساً على عقب. الاصطفاف واضح في هذه المرحلة. حزب الله، حركة أمل، القوات اللبنانية، الحزب التقدمي الإشتراكي وتيار المردة، مقابل تحالف التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل. في بداية عهد ميشال عون، حسب حزب الله القوات على التحالف مع ميشال عون. وهناك من ذهب إلى اعتبار معراب شريكة في العهد ومنافسة للحزب على التقارب مع الرئيس. هذه الأيام، وضعت القوات في الموقع الوسطي. لا تريد قطع شعرة معاوية مع الرئيس وتياره، ولا مع رئيس الحكومة سعد الحريري، رغم الإختلاف معهم في شأن أمور عدة، تبدأ بقانون الانتخاب، مروراً بآلية التعيينات، وصولاً إلى خطة الكهرباء، فيما يسود الترّقب حيّال الاصطفاف بشأن التلزيمات النفطية.

لم يعد الخلاف يقتصر على الحصص، يتوسعان ليطال الرؤية والتوجّه. في الكواليس السياسية، كلام كثير عن رهان البعض على متغيرات إقليمية ودولية. هذا الهمس بدأ يخرج إلى العلن. يدعو الرئيس نبيه برّي إلى الانتباه إلى ما يجري في الجنوب السوري، يتخوف من تقسيم المقسّم، ويعتبر أن النزعة التقسيمية في الطروحات اللبنانية تعود مجدداً. النائب وليد جنبلاط واضح في تحذيراته بأن أي رهان على متغيرات دولية وإقليمية سيكون مغامرة تلامس حدود الجنون.

بعيداً من الكلام الديبلوماسي والسياسي الذي يقوله الأفرقاء في العلن، وآخرهم الرئيس الحريري الذي مازال على تفاؤله بإمكانية إنتاج قانون جديد للانتخابات، حتى الآن ليس هناك أي تقدّم. هناك من يطرح قانون الانتخاب للمقايضة مع ملفات أخرى، في السياسة والإقتصاد. واعتراضاً على اختزال هذه الصفقات بين نجمي العهد، أي المستقبل والوطني الحر، يرفع الأفرقاء الصوت معترضين. ويبدون تخوّفهم من أن أجزاء عديدة من الصفقة الرئاسية لاتزال غير واضحة أو معروفة. بمجرّد معرفتها، يمكن الإستنتاج والوصول إلى خلاصة عودة الحريري عن قراره الموافقة على التمديد في مواجهة الفراغ. ثمّة من يتحدّث عن النفط، وبأنه سيكون مطروحاً كملفّ لمقايضته بقانون الانتخاب. وكأن التنازل عن التأهيلي الذي يتبنّاه الوطني الحر ومن خلفه المستقبل، سيكون مقابل الحصول على التلزيمات النفطية، وفق ما يريده هذا الثنائي، وعلى شاكلة خطة الكهرباء.

هناك من يحاول الاستثمار، في كثرة الملاحظات الدولية بشأن الوضع الإقتصادي والمالي في لبنان، ويستعجل استخراج النفط وإبرام العقود لأجل رفع النمو. ويراهن هذا البعض على الاستثمار في العقوبات التي ستشمل مسؤولين في حزب الله. ومن يراهن على هاتين الورقتين، قد يراهن على مسائل خارجية أخرى.

بالتأكيد، إن الخلاف بين وزير الخارجية جبران باسيل وحزب الله ليس وليد ساعته، ولا على قانون الانتخابات. الخلاف يعود إلى القراءة المختلفة للتطورات في المنطقة. بدأ الإلتباس منذ زيارة باسيل واشنطن، والتي اعتبرها المسؤولون الأميركيون ناجحة جداً. والناجحة بالنسبة إليهم قد تكون مريبة بالنسبة إلى الحزب. الموقف اللافت الثاني، هو في كيفية تعاطي الخارجية اللبنانية مع الضربة الأميركية مطار الشعيرات. ثمة من سجّل ملاحظة على عدم إدانة باسيل هذه الضربة، وعدم صدور أي موقف عن الخارجية. هذا مؤشر لا بد من أخذه بعين الإعتبار.

ثمة من يعتبر أن باسيل يقرأ الطالع بناء على التطورات الدولية، سواء التحرك الأميركي في سوريا، أم ما يحكى في واشنطن وفق مسؤولين لبنانيين زاروها مؤخراً. هؤلاء يؤكدون أن الإدارة الأميركية الجديدة، ستنمّي التحالف مع الطرف السنّي في مواجهة إيران ونفوذها. وهذا ما يقرأه باسيل جيداً، ويراهن عليه، مستفيداً من تحالفه مع الحريري. بمعنى أنه لن يكون مضطرّاً إلى مواجهة هذه التحولات الدولية. كما أن أي موقف من هذا النوع، من شأنه أن يعزز قوته كطرف مسيحي، ليصبح حاجة وضرورة بالنسبة إلى الطرفين الإسلاميين في البلد، أي السنة والشيعة. وحينها، يصبح بإمكانه الحصول على مزيد من المكاسب السياسية، سواء أكان من حزب الله أم من تيار المستقبل.

ليست أزمة قانون الانتخاب قائمة بذاتها. أصبحت مرتبطة بالعديد من الملفات، وبالعودة إلى مواقف سابقة، في شأن مطالبة الدول عبر سفرائها باجراء الانتخابات وفق أي قانون، لتجنّب التمديد أو الفراغ. يقول زوار واشنطن إن هذا الأمر غير مدرج على جدول الاهتمامات، بل إن ما يهم الدول هو عدم الذهاب نحو الفراغ، والحفاظ على المؤسسات والاستقرار. وهنا، تلفت المصادر إلى التخوف الأميركي على الوضع المالي اللبناني، كاشفة عن إرسال العديد من الرسائل التحذيرية على هذا الصعيد.

ومن يربط قانون الانتخاب وإنجازه بملفات أخرى، يعتبر أن التلويح بالفراغ، واعتبار أن القانون يحتّم بعد نهاية ولاية المجلس دعوة الحكومة إلى اجراء الانتخابات وفق قانون الستين، هو رسالة بالغة، إلى رافضي حصول الفراغ في السلطة الثانية. ما يضع القانون في مكان بازاري جديد. بمعنى أن تجنّب الفراغ وإقرار القانون الجديد أو العودة إلى الستين يجب أن يقترنا بتنازل من الفريق الآخر. وهذا التنازل يريدونه في الملف النفطي. وتعتبر المصادر أن مهمة مجلس النواب هي مراقبة الحكومة، وإذا ما تم حلّ مجلس النواب، يمكن للحكومة إنجاز التلزيمات النفطية بدون مساءلة من المجلس النيابي. وهكذا خطوة لا يمكن أن تحصل في لبنان، لكن التلويح بها يستخدم لتحسين الشروط التفاوضية.

وهناك أمر مؤّكد، وصلت رسالته من خلال الاعتراضات على خطة الكهرباء واستئجار بواخر الطاقة. ومفاد هذه الرسالة أن حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية، لا يمكن أن يسمحوا بأي تركيبات ثنائية في وضع غير طبيعي. هذه المسألة لا تحتمل اللعب، ومن يفكّر في الإقدام عليها، أو يسعى للإستئثار بدون التوافق، سيدفع البلد نحو الإنفجار. وهنا، تدرج كلمة بري الذي وجّه انتقاداً لاذعاً لخطة الكهرباء: "البواخر المعومة للجيوب. هذه الصفقة ليست تفصيلاً وكل صفقة لا تمر بدائرة المناقصات مشبوهة حتماً. من وضع نفسه موضع التهم، لا تلومن من أحسن الظن به لاسيما هذه المرة". وهو كان قد صرّح سابقاً بأن "الشارع له أربابه".