عدد من الشخصيات الشيعية التي كان لها صفة «الصديق المشترك» بين الرئيس ميشال عون و»حزب الله»، إنقطعت أخيراً عن لقاءاتها برئيس الجمهورية. بعضها يقول انه طلب موعداً من الرئيس، لكنّ القصر لم يحدده له. وبعضها الآخر لا يخف انه استنكف عن التواصل مع بعبدا، بفعل انه يواجه خيبة امل بالعهد نتيجة «انقلاب» عون على القانون النسبي الذي طالما روّج له
 

خلال السنوات الماضية التي هي عمر «تفاهم مار مخايل»، كان كثير من بيئات «حزب الله» النخبوية الشيعية، لديه علاقات حوار وتواصل مع عون. لقد وثقوا به الى درجة انهم انحازوا اليه، في كل مرة، كان يحصل فيها تباين سياسي بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري. اعتبروه اصلاحياً بامتياز، وشفافاً الى ابعد الحدود، وله موقف استراتيجي في دعمه للمقاومة.

من جهته الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله رسّخ هذه الصورة لدى هؤلاء عن عون. امّا اليوم فيسود نوع من الصمت الكئيب لدى هذه البيئات، بل حتى الصدمة، وعندما يسألون عن تفسيرهم لمواقف عون الراهنة من قانون الانتخاب وكلام باسيل المشحون مسيحياً، باتوا يردون ببرهة صمت قبل ان يعلّقوا بلسان واحد تقريباً عبارة: للأسف!!.

في داخل بيئات «حزب الله» النخبوية يسود منذ اسابيع، سؤال حائر مفاده: هل موقف عون يختلف فعلاً عن موقف باسيل؟. أوساط حركة «أمل» تجيب بلا تردد: «لا فارق... إنهما واحد».

امّا في «حزب الله» الذي كانت اوساطه تعتبر باسيل، حتى فترة وجيزة ماضية، أبرز القريبين اليه مقارنة بكل رموز «التيار الوطني الحر» الآخرين، فهم اليوم يبدون رغبة في انتظار مزيد من الوقت حتى يكتشفوا ما يتمنونه، وهو وجود فارق فعلي بين مواقف الرئيس ومواقف باسيل.

وضمن هذا السياق، بَدا لافتاً داخل البيئة اللصيقة بـ«حزب الله» انّ خطاب نصرالله في مناسبة «يوم الجريح» خَلا من دفاعه عن التحالف مع عون. جرت العادة أن يحرص نصرالله في كل خطاباته الماضية على تخصيص حيّز منه لدحض معلومات وتحليلات سياسية واعلامية تسلّط الضوء على فتور او أزمة تسود بين «التيار الوطني الحر» والحزب.

هذه المرة غضّ نصرالله الطرف عن سيل كتابات الاعلام عن وجود أزمة في العلاقة بين «الاصفر» و«البرتقالي» على خلفية مواقف باسيل، ولم يدحض ولم يدافع. وبذلك، بَدا نصرالله وكأنه ينضمّ الى بيئة شيعية واسعة باتت تعبّر عن نظرتها لعون بصمت تتلوه عبارة: «للأسف».

رواية عونيين!!

والواقع انه حتى هذه اللحظة لا يزال هناك حوار له طابع غير رسمي، وبتعبير ادق، له طابع شخصي، يجري بعيداً من باسيل ومواقفه، وذلك بين قادة في «التيار الوطني الحر»، وآخرين في «حزب الله» او من داخل بيئاته التي كان لها صلات وثيقة مع عون. وهؤلاء يعترفون بأنّ هناك ازمة في العلاقة بين الطرفين، ولكنهم يصرون على مقاربتها بشيء من الواقعية و«الرأس البارد» لمنع «العاصفة الباسيلية» من هزّ صلابة التحالف بين الطرفين.

واللافت في هذا الحوار الجاري على هامش حالة الاحتقان السياسي السائد حالياً بين الطرفين ومن موقع الحرص على تحالفهما، انه يحاول إعادة ترتيب أحداث الشهرين الماضيين على نحو يقدم قراءة سياسية جديدة لوقائعها وخلفياتها، والغاية من ذلك استيضاح أين أخطأ «الحزب» وأين أخطأ «التيار» حتى وصلت الامور بينهما الى نقطة التباعد الراهنة، وما هي حقيقة موقف عون من سلوك باسيل التصعيدي الذي يفسّره الحزب بأنه «سلوك انقلابي»، ولو بالمعنى الجزئي.

ومن متابعة هذه الحوارات، يتبيّن انّ الطرف العوني فيها، لديه رواية مغايرة لقصة مسار التأزم بين «التيار» والحزب، والنقطة اللافتة فيها تظهر انّ «حزب الله»، بحسن نية، يتحمّل مسؤولية عن «تضييع وقت فخامة الرئيس»، لمصلحة تفضيله التباطؤ في خصوص التدخل لإنتاج قانون متوافق عليه داخلياً.

وفي تفاصيل هذه الرواية المنسوبة الى عونيين، فإنّ عون لم يغيّر موقفه في الجوهر من اقتناعه بالنسبية، ولكن ما حدث هو انّ باسيل أقنعه بأنّ القانون التأهيلي يحقق اكثر من هدف في وقت واحد، فهو من جهة يستعيد للمسيحيين حقوقهم، وسيظهر التيار وخصوصاً رئيسه باسيل في حال تم إقراره، أنه «بطل مسيحي يخوض معركة استعادة حقوق مسيحيي لبنان، وليس خافياً انّ عون يرغب في مساعدة باسيل لتكون له صورة «البطل المسيحي» في عيون المسيحيين.

ولكنّ النقطة الفارقة التي ساعدت باسيل في التقدم بالحصول على اقتناع عون بمشروعه، هي موافقة «حزب الله» على القانون التأهيلي الباسيلي، والاكتفاء بإدراج ملاحظات تفصيلية عليه. وهنا عرض باسيل أمام عون موافقة الحزب على قانونه بصفته مؤشر نوعي يدلّ الى انه يمكن تسويقه داخلياً فيما لو منح بعض الوقت الاضافي، خصوصاً بعد موافقة الحريري عليه.

وقدر باسيل انه سيكون ممكناً احتواء معارضة جنبلاط لهذا المشروع، أو تجاوزها ضمن معالجات غير مكلفة، فيما عقدة معارضة بري، يمكن معالجتها من خلال الاعتماد على الحزب ليضغط عليه ليرفع تحفظه او جعل معارضته تسلك المسار نفسه الذي أسفرت عنه معارضته ترشيح عون للرئاسة، بحيث يكتفي بالنهاية كرمى لحسابات الحزب، بالتحفظ عنه من دون العمل لتعطيله وإسقاطه.

وفي نظر هذه القراءة لأحداث فترة التأزم بين «التيار» و«الحزب»، فإنّ الاخير لو لم يوافق على التأهيلي فإنّ عون ربما كان تراجع عن سياسة منح باسيل كل الوقت لتجريب حظه، ولكان فَضّل التعاطي مع فترة المهل الدستورية بأسلوب الافادة من الوقت لإنتاج حل مُبكر يعتمد النسبية ويفاوض على الصوت التفضيلي وشكل الدوائر وعددها، وتَجنّب بالتالي أسلوب اللعب على حافة الهاوية في انتظار نجاح رهانات باسيل بالاستثمار على ثقل موافقة الحزب على مشروعه، وحصد ثمار ذلك بتحييد معارضة بري وعزل معارضة جنبلاط.