في نظرة سريعة على السياسة الخارجية الإيرانية يتضح عمق التورط الإيراني في المنطقة والذي يبدأ من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن والبحرين، وكل المؤشرات تقود إلى الفشل الذريع لهذه السياسية الايرانية الخارجية التي أضرت هذه الدول أكثر مما ساعدتها
 

منذ إنتصار ثورتها الإسلامية أواخر سبعينيات القرن الماضي اثبتت إيران على مدى نجاحها في دخول الأزمات والمشاكل والحروب وبنفس المقدار أثبتت عجزها وفشلها وإخفاقاتها في الخروج من هذه الأزمات والمشاكل والحروب بأقل خسائر ممكنة. 
ففي حربها مع العراق والتي إستمرت لثماني سنوات بدأت مع مطلع الثمانينيات من القرن الماضي أظهرت إيران براعة فائقة في خوض هذه الحرب، واستخدمت تكتيكات ناجحة جدًا في كافة التفاصيل والمعارك ضد الجيش العراقي الجرار والمزود بأحدث الأسلحة رغم الإمكانيات الإيرانية العسكرية الضعيفة جدا والخبرات المتواضعة والأسلحة القليلة والتي لم تكن لتحصل عليها إلا بشق النفس. 

إقرأ أيضًا: الإنتخابات الرئاسية الإيرانية ... خاتمي يدعم روحاني
لكن هذه الحرب لم تنته أو بالأحرى لم تهتد إيران إلى سبيل للخروج منها رغم المطالبات الدولية بايقافها إلا على مشهد مأساوي شبهه يومها الإمام الخميني (قدس) أنه كمن يتجرع كأس السم وذلك بعدما عمدت القوات الأميركية إلى إطلاق صاروخ من إحدى منصاتها المرابطة في الخليج العربي باتجاه طائرة ايرانية مدنية (ادعت يومها الأوساط الأميركية بأنه نتج عن طريق الخطأ) وأسقطتها وذهب ضحيتها مئات الركاب المدنيين وذلك في رسالة أميركية شديدة اللهجة للقيادة السياسية في إيران بوجوب الإلتزام بوقف هذه الحرب العبثية بعدما كانت طهران قد رفضت كافة العروض التي أتتها من العديد من دول العالم المعنية بهذه الحرب لوضع حد لها وانهائها بعدما باتت تشكل تهديدًا للسلم العالمي. 
وفي برنامجها النووي فقد أثبتت إيران تفوقها في التكتيك والمراوغة والمماطلة ولكنها في النهاية فشلت في تحقيق حلم إمتلاكها السلاح النووي ووقف مشروعها عند حدود ما يعرف بالإتفاق النووي الإيراني الموقع بين إيران والدول الغربية الست وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية والتي يحظر على إيران الإستخدام النووي إلا في حدود الوسائل السلمية والتي لا تتجاوز حدود الصناعات الطبية والطاقة الكهربائية. 
وفي إنخراطها في وحول الحروب العراقية بعد الإنسحاب الأميركي منها، ورغم كل الدعم المالي والعسكري واللوجستي الذي قدمته لتنظيمات وميليشيات تابعة لها وعلى رأسهم الحشد الشعبي الذي اسسته على ركائز مذهبية فإن طهران فشلت في نهاية المطاف بإقامة نظام في بغداد تابع لها كما كانت تسعى وكما كانت ترغب سيما وأن قرارات الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي بدأت تتفلت من أيدي قادة الحرس الثوري الإيراني الذي صال وجال في الساحات العراقية لأكثر من عقد من الزمن. 
وفي اليمن فإن الدخول الإيراني على خط الازمة هناك والذي تجلى بالدعم اللامتناهي للحوثيين فإنه بدأ يتراجع أمام التحالف العربي والإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية هناك. 

إقرأ أيضًا: تداعيات العقوبات الأميركية على حزب الله
وكذلك في البحرين فإن إيران وبعد أن تمكنت من إشعال الساحة البحرينية بالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات والمطالب التعجيزية من خلال تحريك جماعات تابعة لها فإن التدخل الإيراني فيها بدأ يتلاشى أمام إصرار النظام الملكي هناك والمدعوم من كافة دول الخليج على إنهاء كل مظاهر الفوضى التي عمت أراضي هذه المملكة الصغيرة. 
وفي لبنان فإن إيران لجأت ومن خلال أدواتها فيه وعلى رأسهم حزب الله إلى تعطيل كافة المؤسسات الدستورية وضرب هيبة الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلد إلا أنه في النهاية فإن حزب الله اكتفى بوظيفة حماية حدود إسرائيل الشمالية من خلال الإلتزام بالقرار الدولي 1701. 
وفي سوريا فإن نهاية الإنخراط الإيراني الواسع في مستنقع الأزمة فيها لا يبدو أنه سيكون أفضل حالا من نهاية التدخلات الإيرانية السافرة في اليمن والبحرين والعراق ولبنان رغم المكابرة التي لا زالت تبديها طهران من خلال التصاريح الإستعراضية التي تأتي على لسان مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني. 
فعلى ضوء إقتحام الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب تفاصيل الواقع السوري وعلى خلفية التقارب الروسي الأميركي بعد تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي والذي أبدى فيه عن إستعداد بلاده للتعاون مع واشنطن في الشأن السوري، وبعد التوجه الأميركي الواضح لمحاربة النفوذ الإيراني في سوريا فلم يعد أمام إيران من خيارات غير تلك التي تتراوح بين عزلها ومحاربتها وفق أجندة إقليمية أو التسليم بواقع التفاهم أو التعاون الأميركي الروسي والذي تدرك طهران جيدًا أنها لا تستطيع مقاومته أو إجهاضه حيث فرض عليها الخروج من هذا التفاهم كمقدمة للخروج النهائي من اللعبة السورية يخفي حنين.