لسنوات عدة نالت قضايا المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اهتماماً واسعاً من الرأي العام والمجتمع المدني، إلا أن بحوثاً محدودة أجريت في شأن سلوكيات الرجال وممارساتهم من ناحية علاقاتهم مع شركائهم ووجهات نظرهم في شأن المساواة بين الجنسين. 

في خطوة تعتبر سابقة من نوعها في مجال دراسة سلوكيات الرجل في مجتمعاتنا العربية وواقع حياته خلف الأبواب، أطلقت الدراسة الاستقصائية الدولية في شأن الرجال والمساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ( (IMAGES MENA، وهي دراسة متعددة الأقطار، حيت استخدمت عدسة واسعة المجال للنظر في حياة الرجال (الأبناء والأزواج والآباء) في البيت والعمل، وفي الحياة العامة والخاصة، وذلك لتعزيز فهم رؤيتهم لوضعهم باعتبارهم رجالاً، وفهم مواقفهم إزاء المساواة بين الجنسين. حيث أعطت الدراسة إطلالة فريدة للتعمق "داخل حياة الرجال أنفسهم" وما يحيط بهم من عالم متغير، لتحديد السبل المؤدية الى تحقيق المساواة لإحراز التقدم في السياسات والممارسات.

الدراسة التي أُجريت على ما يقرب 10,000 شخص تراوح أعمارهم ما بين 18 و59 سنة، في مصر والمغرب ولبنان (بمن فيهم لاجئون سوريون) وفلسطين، قام بها كل من "مركز أبعاد، ومنظمة "بروموندو" Promundo، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة" ومركز الوصل بين البحوث والتنمية CRD ضمت أيضًا وجهات نظر النساء أنفسهم، للبحث في حياتهم الخاصة ونظرتهم لواقعهم وسبل العمل على تحسينه.

أن تكون رجلاً في الشرق الأوسط

وكما هو معروف فإن الرجال كثيراً ما يهيمنون على اتخاذ القرارات في الأسر وعلى مجالات السياسة والقيادة وعلى الحياة اليومية للنساء والفتيات، ولكن ما هو معروف في شأن سلوكيات الرجال بهذه القضايا يعدّ قليلاً نسبياً، حيث ركزت الدراسة على وجهة نظر الرجال في ما يتعلق بالتحسن التدريجي في وضع النساء في المنطقة، وكيف تتأثر الأفكار في شأن خصائص هويات الرجال الجندرية بالضغوط السياسية والاقتصادية وتأثير الربيع العربي، باختصار "ماذا يعني أن تكون رجلاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2017 وما بعده؟

وتكشف الدراسة أنه رغم هيمنة المواقف التقليدية على قضية المساواة بين الجنسين، فإن ما لا يقل عن 25% من الرجال أو أكثر يتبنون وجهات نظر أكثر انفتاحًا ومساواةً، تنطوي على تأييد مساواة المرأة بالرجل في النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية. ومن بين العوامل الي تؤثر على تأييد الرجال للمساواة بين الجنسين التاريخ الشخصي، وتأثير الأسرة، وظروف الحياة.

وتبيِّن النتائج أن رغم إبداء الشابات وجهات نظر حول المساواة أكثر إنصافًا من تلك التي يتبناها الجيل الأكبر سنًا، فإن الشباب لا يبدون بالضرورة وجهات نظر أكثر إنصافًا من تلك التي يتبناها الرجال الأكبر سنًا.

ضغوط هائلة

كما تُبرز الدراسة مدى الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الرجال في حياتهم، ولا سيما صعوبة العثور على عمل بأجر جيد والاضطلاع بدورهم الذكوري التقليدي في إعالة الأسرة، في أوقات يشوبها عدم الاستقرار الاقتصادي، وتحديدًا في تلك البلدان المتضررة من الصراعات. إذ كانت آثار الصراع والبطالة من بين الأسباب الأكثر ذكرًا، التي تتسبب في أعراض الاكتئاب بين الرجال أو من بين العوامل المفاقِمة لتلك الأعراض. وراوحت نسبة الرجال ما بين الثلث والنصف في البلدان الأربعة ممن أعربوا عن شعورهم بالخجل من مواجهة أسرتهم، بسبب غياب فرص العمل أو الدخل.

العنف

 وركزت الدراسة على العنف بين الأجيال لتخلُص الى أن تجارب العنف في الطفولة مرتبطة باستخدام الرجل للعنف في حياته الراشدة. فالعنف يولِّد العنف في جميع البلدان الأربعة. فالرجال الذين شاهدوا آباءهم يستخدمون العنف ضد أمهاتهم، والذين تعرضوا لبعض أشكال العنف بالمنزل في طفولتهم، هم أغلب من ذكروا ممارستهم للعنف ضد شريكاتهم في الحياة في علاقاتهم الراشدة.

 

ولكن بحسب القائمين على المشروع فإن الطريق طويل ومتعرج يجب السير فيه قبل ان يصل معظم الرجال والعديد من النساء الى القبول الكامل للمساواة، ويواجه لبنان، على سبيل المثال، تحديات عدة لتحقيق المساواة. وربطت الدراسة بين الاثار الواسعة للنزاعات الاقليمية ووجود ما يقارب 2 مليوني لاجئ في البلاد، لتتردد أصداء أزمة اللاجئين بصورة مباشرة في علاقة الأسرة المعيشية، وفي إحساس الرجال بالضغوط الاقتصادية، لتصل الى إحساس بعضهم بالعجز.

ويدعم اللبنانيون من الرجال والنساء بنسب مئوية مرتفعة المساواة بين الجنسين، حتى وإن كان عدد من الرجال لا يزال يعتنق وجهات نظر غير منصفة. حيث يحمل المستجيبون من الشباب، ومن هم اكثر تعليماً وذوي الثروة والذين حصلت امهاتهم على مستويات أرفع من التعليم ومن شارك آباؤهم في العمل المنزلي الذي يعد من واجبات المرأة من الناحية التقليدية في طفولتهم وجهات نظر اكثر انصافاً. ولكن لدى الرجال افكار اكثر جموداً الى حد ما من النساء بشأن الأدوار والحقوق الجنسية، بخاصة في ما يتعلق بحياة الرجل الجنسية.

العمل المنزلي

وخلصت الدراسة الى ان الاتجاه العام في لبنان ينم عن انتشار انعدام المساواة في مشاركة العمل المنزلي، حيث أبلغ 26% فقط من الرجال انهم سبق لهم القيام بأداء المهام المنزلية. وفي ما يتعلق بالرعاية اليومية فقد ابلغت النساء عن قدر أكبر من المشاركة في تقديم الرعاية الروتينية مقارنة بالرجال، حيث أكد كل من الرجال والنساء على أمثلة من قيام الرجال بهذه الأعمال، وغالباً في أوقات النزاع أو الحرب، حين لا يستطيع الرجال الاضطلاع بدور المعيل، أو حين تقل قدرة المرأة على تولي هذه الأعمال لظروف عدة.

ولكن ما يعتبر الأخطر في الدراسة انها خلصت إلى ظاهرة خوف اللبنانيين على سلامتهم الجسدية وأوضاعهم الاقتصادية، بالنسبة إلى المستجيبين السوريين الموجودين في لبنان إضافة الى الشعب اللبناني، ققد ذكر ما يقارب 96 % من الرجال و97% من النساء انهم قلقون بشأن سلامة اسرهم. اما النسبة الاعلى من النساء، والتي وصلت الى 60%، اعترفن بأنهن تعرضن من قبل لصورة من صور التحرش الجنسي في الشارع، وأبلغ ثلث الرجال انهم سبق لهم القيام بهذا التحرش. وتزيد احتمالية الرجال اصحاب الرؤى غير المنصفة للمساواة بين الجنسين والذين تعرضوا للعنف في بيوتهم أثناء الطفولة الى القيام بارتكاب أفعال تحرش.

أرقام غير مشجعة

ورغم ان الارقام في لبنان والدول الاخرى لا تبدو مشجعة، الا ان مدير المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية محمد الناصري اعتبر ان للتقرير أهمية بالغة "لكونه أداة نستعين بها في تصميم برامجنا، وممارسة الضغط، وبذل جهودنا للعمل مع الدول الأعضاء، والمجتمع المدني، والمجتمعات المحلية. ورغم ما قد يبدو في النتائج من علامات لا تدعو للتفاؤل إذا ما اقتصر نظرنا على الأرقام فحسب، فإنها تؤكد على أن هناك أيضًا قصصًا حقيقية للمدافعين والمدافعات عن المساواة بين الجنسين، ممن يؤمنون بها إيمانًا قويًا".

وخلصت الدراسة الى ضرورة استخدام مصادر التأثير الاجتماعي عبر وسائل الإعلام، والشخصيات الدينية، والأدب والفن، وذلك للبدء في تغيير الأعراف الاجتماعية، دعمًا لمواقف أكثر تقدمية؛ واستخدام المناقشات العامة، والحملات، والقيادات السياسية المحورية وخططهم، دفعًا بالرجال لدعم خطة شاملة للسياسات من أجل حقوق المرأة؛ وتغيير طرائق تعليم الفتيان والفتيات حول مفهوم أن تكون رجلاً وامرأة، من سن مبكرة، وذلك بتغيير المناهج المدرسية، وتدريب المدرسين.