التفلت الأمني والجريمة والقتل والإبتزاز يعم مختلف المناطق اللبنانية وخصوصًا مدينة بعلبك فيما تقف الأجهزة الأمنية عاجزة عن القيام بدورها فإلى متى سيعاني أهالي بعلبك من هذا الإهمال؟ ومن المستفيد من تعطيل الدولة في المنطقة؟
 

مع إرتفاع وتيرة جرائم القتل والتشليح التي تتم في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع القوى الأمنية المولجة حفظ الأمن وحماية المواطن من التعرض للقتل أو لإنتهاك كرامته أو لفرض خوة عليه بقوة السلاح يبقى السؤال الأكبر والأبرز هو ما هي الخيارات المتاحة أمام المواطن اللبناني وخصوصًا في منطقة بعلبك الهرمل لإعتمادها كي يحفظ حياته وحياة أهله وعياله ومصالحه وأرزاقه؟ 
فنواميس الكون والشرائع السماوية والقوانين الأرضية حددت الروادع التي تحول بين الإنسان وبين طرقه أبواب الجريمة وتمنعه من إعتماد وسائل القتل وإرتكاب المعصية والذنب الكبير وحصرتها بأحد رادعين أو بالإثنين معًا وذلك حفظًا للنظام العام وإستقرار المجتمع والعيش بأمن وأمان مع المحافظة على كرامة الفرد وحريته وسلامته فيتحول معها الوطن إلى واحة من السلام والطمأنينة وراحة البال.
أولًا: الرادع الديني وهو ما يتم التعبير عنه بالضمير أو الرادع الأخلاقي وهو الخوف من الله والخشية من عذاب يوم عظيم وتجنبًا لأهوال يوم القيامة والوعيد بحساب عسير وفي ذلك مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" صدق الله العلي العظيم. 

إقرأ أيضًا: رئيس بلدية بعلبك لـ لبنان الجديد: الإضراب والإعتصام في بعلبك صرخة بوجه المسؤولين والأجهزة الأمنية
فالعامل الديني الذي يحرك المشاعر الإنسانية ويوقظ الضمير وملكات الأخلاق السامية يمنع الإنسان من الإقدام على المعصية بإرتكاب جريمة القتل لإنسان بريء، وهذا الرادع الأول الذي يحول دون سلوك طريق الشر، أما الرادع الثاني فهو الرادع القانوني وهو الخوف من عقوبات المحاكم الأرضية والتي ترتب على الجاني فيما لو تم تطبيقها عملا بقانون العقوبات السجن لفترات طويلة قد تصل إلى المؤبد أو إلى الإعدام حسب نوعية الجريمة وظروفها ومناسباتها انسجامًا مع الحكم الإلهي "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". 
هذان الرادعان أو أحدهما إذا ما توفر لدى الإنسان هو ما يمنعه من الإقدام على الفعل الشنيع بارتكاب جريمة القتل أو الاغتصاب أو التشليح أو أي عمل يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام. 
أما إذا غاب هذان الرادعان تضيع العدالة وتضيع معها منظومة المقاييس والموازين وكافة القيم الأخلاقية وتسقط المحرمات وهو ما نعاني منه في مختلف المناطق اللبنانية وعلى وجه أخص في منطقة بعلبك الهرمل حيث يسيطر عليها مناخ من الفلتان الأمني وفوضى السلاح المتفلت من أية قيود رغم كل ما يقال عن خطط أمنية تم إتخاذها لهذه المنطقة ليتبين لاحقا أنها مبتورة وعاجزة عن فرض الأمن والإستقرار بقوة القانون مع رضوخ المنطقة لقانون الطوارىء المفروض عليها منذ عشرات السنوات، ورغم كل الإجتماعات والنداءات الموجهة إلى الأجهزة المعنية وإلى كل القوى السياسية والحزبية من أحزاب وتنظيمات وميليشيات التي فرضت أمرًا واقعًا تركت فيه مسارب لهروب الجاني والنجاة بفعلته الشنعاء وشكلت له مظلة أمان لحمايته من العقاب ومخبئًا عن أعين الأجهزة الأمنية المختصة وأمنت له مربعًا أمنيًا يلجأ إليه فيسرح ويمرح فيه دون خوف أو وجل من المحاسبة لدرجة بدت معها يد العدالة مغلولة لا تقوى إلا على بعض الناس المستضعفين والمغلوب على أمرهم والذين لا حول لهم ولا قوة سياسية أو حزبية يلجأون إليها ليدرأوا من خلالها أخطار التعديات التي يتعرضون لها يوميا ولرفع المظالم عنهم خصوصا مع ضياع المعايير القانونية وإشاعة أجواء الفوضى وهيمنة مفاهيم جديدة وغير مسبوقة للقانون بحيث يصبح المستهتر بحزام الأمان في سيارته وكأنه مستهترًا بأمن البلد وإستقراره ويتحول إلى مجرم بنظر القانون ويجب ملاحقته ومداهمته وإلقاء القبض عليه وايداعه في السجون والزنازين بانتظار محاكمته لينال عقوبة ما جنته يداه المستخفة بالتمنطق بحزام يقيه أخطار الحوادث، أما من يقدم على قتل امريء بريء أمام بيته عن قصد وبدم بارد فهي مسألة يمكن البحث في بطون الكتب عن أسباب تخفيفية لها كي لا تنطبق عليها صفة الجريمة بالمعيار القانوني. 

إقرأ أيضًا: بعلبك ليست خارج الدولة!!
هذا الواقع المؤلم والمزري والناجم عن غياب السلطة وهيمنة قوى الأمر الواقع فرضت على المواطن سلوك طريق واحد والتشبث بخيار أوحد لا ثاني له وهو أن يتولى هو بنفسه مسؤولية الدفاع عن حياته وحياة أسرته وأملاكه وذلك باللجوء إلى إمتلاك الوسائل العسكرية الضرورية لهذه المهمة الشاقة والتي لم يكن ليرغب فيها أصلًا. 
وهذا ما زاد من منسوب الجريمة لغياب الرادع الديني والرادع القانوني والدخول في متاهات الثأر والشحن المذهبي والطائفي وضرب صيغة التعايش بين العائلات والعشائر وما يترتب على ذلك من جمود في الحياة الإقتصادية والمعيشة لتزيد الطين بله والعودة إلى عالم الجهل والتخلف والعجز عن مواكبة حركة التطور والتقدم التي تجتاح العالم أجمع.